الخميس، 3 نوفمبر 2016


خير من ألف شهر
بقلم : سليم عثمان
نعم الله  تعالى علينا كثيرة  ومنها  أن جعلنا مسلمين وجعل لنا  في هذه الدنيا مناسبات تضاعف فيها أجور أعمالنا ، وترفع بها درجاتنا , ومن تلك المناسبات مناسبة شهر رمضان المبارك, الذي أنزل فيه القرآن, قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة). وفي رمضان عشر أواخر هي أفضل من الأيام التي قبلها إذ فيها ليلة القدر التي من قامها إيماناً واحتساباً بلغ درجات رفيعة  عند الله تعالى كيف لا؟ وهي خير من ألف شهر  كما أخبر الله تعالى - فقال في كتابه الكريم: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ  وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ  لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ  تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) وقال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام  (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
فيستحب في شهر رمضان المبارك  الاجتهاد للفوز بالفضل العظيم, خاصة في العشر الأواخر  التي أدركتنا لعلنا نكسب فيها ما فرطنا في سابق الأيام والليالي  ولنا في رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أسوة حسنة فقد كان عليه الصلاة والسلام  يجتهد فيها أعظم اجتهاد كما جاء في حديث عائشة  رضي الله عنها  قالت: (كان النبي  صلى الله عليه وسلم  إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله).
ومن حكمة الله تعالى أنه جعل هذه الليلة خافية على كثير من الناس لأجل أن يكثر اجتهاد العباد في تحريها، ويقوموا ليالي العشر كلها طلباً لفضلها، فتحصل لهم كثرة العمل، وكثرة الأجر فعن عائشة  رضي الله عنها  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم  قال:  (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان), وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى في خامسة تبقى) وقد اخفاها الله تعالى عنا كي نجتهد في كل هذه الليالي المباركات .
ومن الأعمال التي كان يحافظ عليها رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم  في العشر الأواخر  (الاعتكاف) لحديث عبد الله بن عمر  رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يعتكف العشر الأواخر من رمضان) وعن عائشة  رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) والاجتهاد ليس محصورا في تلاوة  القرآن، والصلاة، والذكر، والصدقة بل يشمل غير ذلك من الأعمال الصالحة وما أكثرها لمن يقدر عليها في هذه الأيام والليالي المباركات فينبغي للعبد أن يشغل عامة وقته في أعمال البر والقربات من صدقة وذكر، وشكر وإخبات، وخضوع وخشوع وافتقار، وليكن أكثر أعماله الدعاء وقد سئل ابن تيمية رحمه الله تعالى  عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: (أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة).
فعلى المسلم  أن يحرص كل الحرص على اغتنام هذه الأيام المباركات ، الفاضلات ، وألا يفرط فيها, بل يكثر من قراءة القرآن لأنه شهر القرآن, ويطيل القيام, ويتضرع بين يدي الكريم الجواد ؛ فيدعوه ويتحرى أوقات إجابة الدعوات وبخاصة في الثلث الأخير من الليل وقت النزول الإلهي لحديث أبي هريرة  رضي الله عنه  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم  قال:  (ينزل ربنا  تبارك وتعالى  كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) ، والليل هو محراب العابدين، ومثوى الساجدين، وروضة المخبتين الذين يناجون ربهم - تبارك وتعالى - بكلامه، ويسألون عطاءه، ويُعَفِّرون جباههم بذُل التوبة وعِزّ العبودية لله رب العالمين، ويَحْنون رؤوسهم لجبار السماوات والأرض، وملك الملوك، دموعهم منهمرة، وأيديهم ضارعة، وقلوبهم واجفة، ونفوسهم مولعة، يرجون الله ويخافونه؛ مستشعرين في ذلك حال نبيهم - صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: إن كان النبي  صلى الله عليه وسلم - ليقوم ليصلي حتى تورم  قدماه أو ساقاه, فيقال له فيقول:  (أفلا أكون عبداً شكوراً) قال تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
 (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها، والصلاة، وقد أمرت عائشة بالدعاء تقول عائشة - رضي الله عنها - للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي:  (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) والعفوّ من أسماء الله - تعالى ، وهو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، فيحب العفو عن عباده، وعفوه أحب إليه من عقوبته
يقول سفيان الثوري: "الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة، وإذا قرأ ودعا ورغب إلى الله كان حسناً، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا دأبه في تهجده في ليالي رمضان، يجمع بين الصلاة والقراءة، والدعاء والتفكر، وهذه من  أفضل الأعمال.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كل شيء ما خلا الله باطل .ون