الاثنين، 5 سبتمبر 2016

شبابنا الى أين؟(6)
بقلم : سليم عثمان

 الشباب هم عماد الأمة ، وهم بناة المستقبل ،  وفي ظل هذا الغزو  الثقافي  والاستلاب الحضاري الذي تعيش فيه أمتنا  ضاع كثير من  شبابنا  فيجد المرء بعضهم  يدمنون المخدرات  وبعضهم  أصبحوا عاطلين عن العمل  يهيمون على وجوههم في الشوارع ، وهنا تلام الدولة التي  لم توفر لهم سبل شريفة لكسب العيش  فارتفعت العنوسة بين الشباب من الجنسين، واخرون يهدرون أوقاتهم في لهو برئ أو غير برئ في وسائط التواصل الاجتماعي  ،  تقع على عاتق الدولة مسؤولية  الارتقاء بالحالة الاجتماعية للشباب وتأمين حقهم في الحياة الكريمة، وذلك بتوفير حاجاتهم المادية والروحية، وتلبية ضروراتهم الأساسية ولاسيما المسكن والزواج وفرص التعليم والعمل والصحة. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
إن شبابنا  الذي يفتح الله على قلوبهم  في هذا الزمن  مع كثرة المغريات، لا شك أنهم  إذا حفظوا انفسهم، وحفظوا شهواتهم، وخالفو الهوى فإنهم بذلك  يكونون  ممن ربط الله تعالى على قلوبهم. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال لرجل وهو يعظه : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ).
 الشباب فترة عمرية محدودة إن لم نكسبها ندمنا في شيخوختنا  وما أجمل ما قال سيدنا علي كرم الله وجهه في هذا الصدد:
بقدر الكد تكتسب المعالي ... و من طلب العلا سهر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلا ... يخوض البحر من طلب اللآلي
لنقل الصخر من قلل الجبال ... أحب إلى من منن الرجال
و قالوا: للفتى في كسب عار ... فقلت: العار في ذل السؤال
إذا عاش الفتى ستين عاماً ... فنصف العمر تمحقه الليالي
و ربع العمر يمضى ليس يدري ... أيقضى في يمين أو شمال
و ربع العمر أمراض وشيب ... و شغل بالتفكر والعيال
فحب المرء طول العمر قبح ... و قسمته على هذا المثال
 نعم الشباب هم  باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله، كما أن أطيبَ الثمار بواكيرها، وما بكت العربُ على شيء كما بكت على الشباب، وما بكى الشعراءُ من شيء كما بكوا من المشيب ويقول الشاعر العربي:
ذا قيل: من فتى؟ خلت أنني . ...عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
وهذا الشاعر أبو العتاهية  يتحسر على ضياع  شبابه فيقول:
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني... فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيب 
          فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ... نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضا... كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْما... فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ
على الآباء والأمهات  ومؤسسات التربية والتعليم ووسائل الاعلام المختلفة دور كبير في توجيه شبابنا
 وينشأ نـاشئ الفتيان فينا... على ما كـان عوده أبوه.
 عالمنا اليوم مليئ بالتحديات والمؤثرات فحري بنا أن نعمل على تحصين شبابنا في وجه هذا الغزو الثقافي الذي يستهدف دينهم وعقيدتهم ومستقبلهم ،  الأسرة مسؤولة مسؤولية مباشرة على تنشئة أبنائها ، الحكومة مسؤولة أيضا والمؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية ودور العبادة مسؤولة عنهم. فوجود القدوة الحسنة مهم جدا لشبابنا،  شبابنا اليوم لا يرون الا في صغار الفنانين وأشباه اللاعبين قدوة حسنة لم يعد رسولنا الكريم ولا الصحابة الأجلاء عليهم رضوان الله قدوة حسنة لهم ، أعلامنا  الهابط هو قدوتهم ، الشباب ثروة عظيمة إن أحسنا استغلالها وتوظيفها وثروة الأمم ليست في  الذهب الأبيض  ولا في الذهب الأسود ، وإنما في الإنسان فهو أغلى من كل شيء ، وأعظم ما يكون الإنسان في حالة الشباب لأن حالة الشباب هي مرحلة القوة والعطاء ، فالشباب قوة بين ضعفين ، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قول الله  تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وشيبة)  ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ما عمل فيه) ويقول رسولنا الكريم : نصرني الشباب حين خذلني الشيوخ، وهذا الإمام الشافعي رحمه الله، الذي وضع علم أصول الفقه ، ولد في مدينة غزة و مات في الخمسين من عمره ، وضع كل هذا الفقه الذي بين أيدينا اليوم  في شبابه ،و هو الذي يقول عن نفسه :
 أنه ما كان عبداً لمال ، ولا لجاه ،ولا يُتبع نفسه شيئاً  من هذا ، حيث يقول في ديوانه : 
أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب ...  وفيضـى آبار تكرور  تبرا
أنا إن عشت لست أعدم قوتا  ... وإذا مِتُّ لست أعدم  قبرا
 همتي همة الملوك ونفسي   ...  نفس حر ترى المذلة كفرا
فالله الله في شبابنا.

   
رفقا  بالقوارير
بقلم: سليم عثمان
تذكرون وصية أم عاقلة، إنها وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس بنت عوف الشيباني ، قالت هذه الأم الحكيمة  العاقلة  لابنتها ليلة زفافها، وقدمت لها وصية غالية وهدية ثمينة ، فقالت لها: أي بنية لو تركت الوصية لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها معونة للعاقل، وتنبيه للغافل
أي بنية: اعلمي أنك ستفارقين العش الذي فيه درجت، إلى بيت لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً: أما الأولى والثانية: فالخضوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواطن عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه؛ فإن تواتر الجوع ملهبة، وإن تنغيص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالرعاية لماله وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي العيال حسن التقدير، وأما التاسعة والعاشرة: فلا تفرحي إن كان مغتماً، ولا تحزني إن كان فرحاً
ما أحوج النساء إلى مثل هذه الوصية الغالية؛ لتحيا بيوتنا حياة سعيدة
أسأل الله جل وعلا أن يسعد بيوت المسلمين، وأن يملأها رضاً وسعادة، إنه ولي ذلك والقادر عليه
أعتقد أيها الأزواج والزوجات بعد ما علمنا حق الزوج وحق الزوجة، أن حياة البيت ستكون حياة هنيئة سعيدة.
نعم الأم العاقلة الحكيمة في زماننا هذا هي من توصي بنتها ليلة زفافها وقبلها وبعدها  وليست تلك التي تحرض بنتها على زوجها وأهل بيته ،أحد الرجال  الجهلاء قال لزوجته ذات يوم من أيام رمضان يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لامرأة أن تصوم إلا بإذن زوجها ) نسي هذا الزوج  وأمثاله قلة ولله الحمد أن المراد بالصيام هنا: صيام النفل، وليس صيام الفريضة، فطاعة الزوجة لزوجها كما تعلمون  مطلقة في غير معصية الله سبحانه وتعالى، ورسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال : ( استوصوا بالنساء خيرا) وقال : (خياركم خياركم  لنسائهم)، أحدهم   دلق على وجه زوجته إبريقا من الماء ليلة  من ليالي رمضان وهو يذكرها بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم:      (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته -يعني: لتصلي معه، فإن أبت نضح في وجهها الماء) ليس المقصود من حديث رسولنا الكريم أن يفزع الرجل زوجته وهي نائمه بل عليه أن يكون رفيقا بها حين يأمرها أو يدعوها الي أداء ما أفترض الله عليهما  سيما في النوافل ، يقول أحد الشيوخ أن أختا فاضلة بعثت اليه  برسالة تقسم له بالله فيها أن زوجها إذا أراد أن يوقظها لصلاة الفجر وتلكأت بعض الشيء لتعبها أو لمرضها، تقسم لي بالله أنه يذهب إلى الثلاجة ليأتي بزجاجة كاملة ويصب الزجاجة كاملة عليها! بدعوى أنه يوقظها لصلاة الفجر! أهذا خلق؟! ليس هذا من خلق النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن الزوج بهذا الفعل يكون سبباً رئيساً في أن تبغض هذه الزوجة صلاة الفجر، بل في أن تبغض الصلاة، بل في أن تبغض الدين كله فعلى الزوج أن يفهم النصوص القرآنية واحاديث رسولنا الكريم بعمق وأن يكون رفيقا في تطبيقها على الاخرين، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) .13 طه).

كثيرات من بناتنا الصغيرات حين يتزوجن لا يعرفن كيف يتعاملن مع أزواجهن  والسبب في تقديري أننا كآباء وأمهات في زماننا هذا لم نقم بتربية أبنائنا وبناتنا  بالشكل المطلوب ولم نتهتم بتفقيههم في أمور دينهم فهذا زوج صغير في السن يهجر زوجته في الفراش طويلا لسبب تافه ولخصام بينهما لا معني له  فهو لا يعرف لماذا يهجر ؟ وكم يهجر ؟ ومتى يهجر ؟ وهو يظن بذلك أنه يؤدبها ، وها هي زوجة صغيرة تلملم أغراضها وتذهب الي بيت أبيها  والسبب أنها ترى أن زوجها أصبح رجلا اخر غير الذي تعرفت عليه ايام الخطبة فقد كان سمحا  رقيقا لطيفا، اما الان فقد أصبح كريها بخيلا عصبيا الخ ، نعم  من حق الزوجة على زوجها أن يكون الزوج حليماً عفواً كريماً، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، ورب العزة يقول : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } (الروم:21) وهناك فرق كبير بين المودة والرحمة، فالمودة، الحب، فإذا ذبلت وردة الحب بين الزوجين بقيت الرحمة، لتظلل البيوت امنة مستقرة  وتستمر الحياة رغم الصعاب التي تعتريها ، وكما يقولون : البيوت اسرار ، ولو تسور أحدنا بين جارة ربما رأي من المشاكل ما يشيب له الرأس  فكل بيت فيه من المشاكل ما فيه ، وكل سفينة زوجية تلاطمها أمواج الحياة ، ربما جارك وأولاده ينامون جياعا وأنت وأفراد أسرتك رزقهم الله بوجبة عشاء دسمة ، ربما ينامون وليس لهم غطاء  وتنام أنت في دفئ، ربما لديهم أحد مريض وقد شفاك الله من كل مرض، ربما ينام مهموما من ديونه ولا دين لك، ربما لا يملك مصاريف دراسة ابناءه ولا مشاكل مادية لديك ، نعم البيوت اسرار  ربما لو كشف الله علينا استارنا لرأينا العجب العجاب  لذا  فإن أخطأت الزوجة واعترفت بخطئها فليعف الزوج، ولا يفتخر ولا يتكبر، ولا تنتفخ أوداجه، فهذا ليس من خلق الرجال فضلاً عن أخلاق الأزواج الصالحين المؤمنين الصادقين وإن أعترف الزوج على الزوجة أن تسامحه وفي كل الأحوال يجب أن يصفح كل منهما عن الاخر ويتحمل عيوبه حتى تبحر السفينة الي بر الامان ...
هل من سبيل إلي خمر فأشربها؟
بقلم: سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر:
من كثُرت لحظاته دامت حسراته
نعم نحن في العشر الأواخر من رمضان ،وفيها يعتق المولي رقاب المؤمنين من النار ،نعم الكل يستعد لاستقبال عيد الفطر المبارك ،وقد يعود بعضنا إلي ما كان عليه قبل دخول رمضان، حيث كان يعاقر الخمر ولا تفارقه كأسها ،وقد يردد قول ذلك الشاعر العربيد رمضان ولي هاتها يا ساقي ... مشتاقة تسعي إلي مشتاق .
لست من متعاطي الخمر ولله الحمد،وليس مقالي هذا تحريضا للآخرين لتعاطيها ، فالكل يعلم أنها أم الكبائر ،ولكني من خلال هذا المقال أحاول تسليط الضوء علي قضايا سودانية ترقي لأن تكون كبائر .
بعد نحو ست سنوات هي عمر الفترة الانتقالية ،لاتفاقية نيفاشا التي جلبت السلام لبلد عربي وأفريقي دمرته الحرب ،يستعد إخواننا في جنوب السودان، لإقامة دولتهم الجديدة، وعاصمتها جوبا، أو هكذا أظن ،وما العيب في ذلك؟ فإخواننا في الجنوب ملوا العيش كمواطنين من الدرجة الثانية في بلد المليون ميل!هكذا قال الفريق سلفا كير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة جنوب السودان ،ذات يوم، من داخل احدي الكاتدرائيات في جوبا عاصمة الاستوائية الكبري ، محرضا مواطنيه علي التصويت لصالح انفصال الجنوب عن الشمال ،وباقان اموم يبشرنا صباح مساء بقرب بزوغ شمس انفصال الجنوب ، بل يهددنا بحرب مختلفة ،ربما يحاول الرجل استعراض مكامن القوة في جيش حركته،حيث قيل أن الحركة دربت الآلاف من شبابها في أمريكا ودول غربية ـ وتزودت بطائرات مقاتلة متطورة،وخزنت آلاف الأطنان من الأسلحة الحديثة، باختصار سخرت معظم نصيب الجنوب من النفط السوداني ، في تسليح جيشها،لماذا لأنها ربما لم تؤمن بالسلام خيارا حقيقيا ،لذا قد نكون موعودين بما بشرنا به باقان شاعر الحركة ومفكرها الأوحد، من شتاء ساخن فإما علينا كشماليين، قبول انفصال إخواننا في الجنوب، بالكيفية والنسبة التي يريدها باقان ورفاقه، أو الحرب و الطوفان ، صحيح أن الخيار بيد المواطن البسيط هناك، الذي تدغدغ الحركة مشاعره، بمعسول الكلام، وتبشره بجنة الله التي تنظره بعيد الانفصال ،لم لا ؟ والغرب كله وإسرائيل أيضا علي أهبة الاستعداد لتقديم الغالي والنفيس، لدويلة الجنوب، وقد يختارون لها أسما ونشيدا جديدين ، وقد يصممون من الخطط ،ما يجعل أهل الجنوب لا يفكرون البتة في الوحدة مع الشمال، في يوم ما،بل قد لا يكتفون بذلك إنما سوف يعملون بكل جد من أجل استنزاف السودان، في صراع طويل في دارفور وقد يحرضون ما تسمي بالمناطق المهمشة، سيما تلك التي يحدثوننا عنها، بضرورة إجراء مشورة شعبية بشأنها دون أن نعرف كنهها ،لكن المؤكد أن المؤتمر الوطني الذي يسوق لنا بضاعة نيفاشا في سوقها الشعبي بالخرطوم، تورط في هذا المخطط التقسيمي الانفصالي إيمانا ب( وأمرهم شوري بينهم) فالحركة بعد أن يتحقق لها اقتطاع الجنوب، عن جسد السودان ستحمل كل معاولها لاقتطاع تلك المناطق الاخري ، تحت فرية وزعم أن أهل تلك المناطق يحبذون العيش مع الجنوبيين، وليس مع دويلة الشمال خوفا من مزيد من التهميش لها.
مخطئ من يقول أن شريكي نيفاشا(المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) لا يتحملان النصيب الأكبر من وزر انفصال الجنوب،وأكثر خطأ إن برأنا أحزابنا السياسية المعارضة، خاصة الكبرى منها كالأمة بكل فروعة ،والاتحادي بكل مسمياته، والشعبي والشيوعي،بل لا نستطيع أن نبرئ النخب والمثقفين، ولا حتي العامة من الناس ووسائل إعلامنا المقروءة والمسموعة والمرئية ، وما يسمي بمؤسسات المجتمع المدني، إن كان لها وجود حقيقي علي ارض الواقع ،فالكل قصر فيما سوف يحدث وفيما آل إليه حالنا ،الذي أصبح لا يسر إلا أعداء امتنا، التي كانت موحدة منذ استقلال السودان في الأول من يناير 1956 ، بل وقبلها بكثير ، ومن مساوي الصدف، أن ينفصل جزء عزيز عن السودان، بعد مضي 54 عاما عن استقلاله ،وقد لا ننتظر أعواما مثلها قبل أن تنفصل مناطق أخري ، طالما ضيق الحاكمين علينا هذا المليون ميل مربع ، حتى جعلونا نتقوقع ونعود إلي مناطقنا وقبائلنا ، بدلا من العيش إخوانا في رحاب السودان الكبير،ومن عجب أن يحدثنا البعض عن كونفدرالية، وصيغ أخري للتعايش بعد أن فشلنا جميعا في امتحان الوحدة الجاذبة، بمفهوم باقان اموم وحركته.
وبغض النظر عما نحن مقبلون عليه، من انفصال، أو وحدة، حال حدوث معجزة إلهية، ومع تقديرنا لكل ما أنجزته حكومة السيد الرئيس عمر البشير من انجازات دون تذكير القراء بها ، فهي معلومة لديهم نقول : إننا نخطئ كثيرا إن ظننا أن الخطأ فيما آل إليه حال البلد هو من صنع أيدي قادة الإنقاذ وحدهم ، والصحيح الذي لا شك فيه حديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :(كلكم راع ، وكل راع مسئول عن رعيته) فالبشير مسئول عنا ،وكل احد منا مسئول عن الأمانة في صلته، بمن هم فوقه وبمن هم دونه ،كلنا اليوم ميالون إلي أن نبدي أراء عاطفية،-ومن النقد المر أحيانا ، في الأحوال المحيطة بواقعنا، الذي لبس ثوب البؤس ،وقلما نظر احدنا اليوم بعين العقل في واقعنا المرير هذا،كل واحد منا يحاول أن يزيح التبعة إلي كتف غيره .
شريكا الحكم كل واحد منهما يتهم الآخر ويخونه،الحكومة تتهم المعارضة والمعارضة تسخر من الحكومة ، الشعب يحمل الحكومة كل أسباب تردي حال البلد ، والحكومة تحسب الشعب قطعانا من الضأن تسوقه إلي المذبح كل يوم، تحسب إفراده رجرجة ودهماء ورعاع وسذج ،البعض منا يهتم بفوز فريق الهلال أو المريخ في الدوري أكثر من اهتمامه بفوز منتخبنا الوطني علي الكونغو أو اهتمامه بوحدة السودان ،والبعض منا يهتم بقفة ملاحه، أكثر من انشغاله بفقه نيفاشا .
يقول أرسطو:إن أحسن أشكال الدولة ،هو الشكل الذي يتيح اكبر قدر من الخير للمجموع وللفرد، أما صلاح الحكم وفساده، فلا يعرف من الاسم الذي يطلقه الحاكم علي شكل حكومته ،بل من الغاية التي يحاول الحاكم أن يصل إليها ،ولذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطوف ذات ليلة في المدينة يحاول معرفة أحوال رعيته ، ففي احدي ليالي طوافه سمع صوت امرأة تنشد :
هل من سبيل إلي خمر فاشربها ... أو من سبيل إلي نصر بن حجاج ؟ لم يثر سيدنا عمر ولم يأمر جنده باقتحام دارها أو سجنها ولكنه في اليوم التالي سأل عن ذلك البيت فقيل له :هو بيت فلان وهو في الجهاد ، وذهب عمر إلي ابنته حفصة وسألها رأيها في ذلك .فقالت له:أربعة أشهر يا أبي ،عند ذلك أصدر عمر بن الخطاب أمرا بأن يصحب المجاهدون في سبيل الله أهلهم ،أو أن يعود كل مجاهد إلي أهله مرة كل أربعة أشهر ،أن عمر بن الخطاب أراد بفعلته تلك أن يحل مشكلا اجتماعيا وعسكريا ودينيا في نفس الوقت، ذلك أن القضية لم تكن مسألة أمراه تغني بالليل ، كانت قضية أسرة ،يجب أن تبقي سليمة صحيحة ،وذات مرة حمل أحدهم طعاما شهيا إليه وقال له : يا أمير المؤمنين هذا طعام طيب فسأله عمر هل أكل منه جميع الجند ؟ فقال القائد :لا يا أمير المؤمنين،فقال عمر :لا حاجة لي إلي ذلك الطعام .
هذان نموذجان لكيف يكون الراعي سواء كان رئيسا أو وزيرا أو مديرا ،أو غيره ،لكن عندما لا يهتم الراعي برعيته تتضجر الرعية ولعل حكوماتنا الوطنية كلها قصرت بحق الجنوبيين بل بحق كل السودانيين ،فالانفصال المتوقع ليس شرا كله وإن كان كبيرة من الكبائر،والسبب في ذلك أن إخواننا سوف يجربون محاسن الانفصال،وقد يعيشون فعلا في بحبوحة ،وقد يجدون أن الانفصال شر مستطير،المهم أن نكون جميعا في مستوي التحديات المنتظرة ،وقد نحن إلي بعض ذات يوم ،وقد نعود إلي الوحدة ثانية، لنلبس ثيابها من جديد ،لكن الذي لا يتمناه عاقل هو اندلاع الحرب بأي شكل من الإشكال ناهيك عن حرب من نوع مختلف، كما توعدنا باقان اموم، ذلك الحرب تظل هي الحرب، ليس فيها ندي ولا زهر ولا تفاح، بل دماء وأشلاء وموت وأحزان لا تنتهي . دعونا نعيش في سلام ولا تقودونا إلي حرب مجنونة، تأكل أخضر ويابس البلد
نفسي لا كنت :
سأل عمر بن الخطاب بعض المسلمين في أطراف المدينة، عن إمام محلتهم فوصفوه بخير، وقالوا إلا أنه إذا انتهى من صلاته تغنى..!! فقال عمر: تغنى؟ مستنكراً، قوموا بنا إليه. فلما جاء عمرُ الرجلََ، قال: يا أمير المؤمنين كنت أنا أحق بالمجيء إليك.
قال عمر: ما مقالة بلغتني عنك؟!
قال الرجل: وما ذاك يا أمير المؤمنين.
قال عمر: قيل أنك إذا انتهيت من صلاتك تغنيت!
قال الرجل: إنما هي موعظة أعظ بها نفسي يا أمير المؤمنين.
قال عمر: أسمعنيها.
فقال الرجل: أقول
وفـؤادي كلمـا عاتبتــه هام في اللذات يبغي تعبي
يا قرين السوء مـا هذا الصبا فنـي العمر كذا في اللعب
وشبابي بـان عني فمضى قبـل أن أقضي منه أربي
ما أرجي بعـده إلا الفنا ضيـق الشيب عليّ مطلبي
نفسي لا كنت ولا كان الهوى راقبـي الله وخافي وارهبي
فإذا عينا عمر تذرفان، وإذا هو يردد
نفسي لا كنت ولا كان الهوى راقبـي الله وخافي وارهبي
يقول عمر: من تغنى هكذا فليتغنّ
شغل :
سئل عبدالله الرازي: ما بال الناس يعرفون عيوبهم ولا يرجعون إلى الصواب؟ فقال: لأنهم اشتغلوا بالمباهاة بالعلم، ولم يشتغلوا باستعماله. واشتغلوا بالظواهر، ولم يشتغلوا بالبواطن. فأعمى الله قلوبهم وقيد جوارحهم عن العبادات.
يقول الرافعي في كتابه وحي القلم :حين يفسد الناس لا يكون الاعتبار فيهم إلا بالمال، إذ تنزل قيمتهم الإنسانية ويبقى المال وحده هو الصالح الذي لا تتغير قيمته. فإذا صلحوا كان الاعتبار فيهم بأخلاقهم ونفوسهم، إذ تنحط قيمة المال في الاعتبار، فلا يغلب على الأخلاق ولا يسخرها. وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسم في قوله لطالب الزواج: (التمس ولو خاتماً من حديد)، يريد بذلك نفي المادية عن الزواج، وإحياء الروحية فيه، وإقراره في معانيه الاجتماعية الدقيقة، وكأنما يقول: إن كفاية الرجل في أشياء إن يكن منها المال فهو أقلها وآخرها. حتى إن الأخس الأقل فيه ليجزء منه كخاتم الحديد، إذ الرجل هو الرجولة بعظمتها وجلالها وقوتها وطباعها، ولم يجزء منه الأقل ولا الأخس مع المال، وإن ملء الأرض ذهباً لا يكمل للمرأة رجلاً ناقصاً، وهل تتم الأسنان الذهبية اللامعة، يحملها الهرم في فمه شيئاً مما ذهب منه؟ وما عسى أن تصنع قواطع الذهب الخالص وطواحنه لهذا المسكين بعد أن نطق تحات أسنانه العظمية وتناثرها أنه رجل حل البِلى في عظامه..؟
الصوم :
قال مظفر القرمسيني: الصوم على ثلاثة أوجه:
صوم الروح بقصر الأمل..
وصوم العقل بخلاف الهوى..
وصوم النفس بالإمساك عن الطعام والشهوة.
وقال: الجوع إذا ساعدته القناعة فهو مزرعة الفكر، وينبوع الحكمة، وحياة الفطنة، ومصباح القلب.
فهل استفدنا من صيام الشهر الفضيل ،
من ملح أشعب :
قيل لأشعب الطماع: لقد لقيت التابعين وكثيراً من الصحابة، فهل رويت مع علو سنك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: نعم، حدثني عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلتان لا تجتمعان في مؤمن. قيل: وما هما ؟ قال: نسيت واحدةً، ونسي عكرمة الأخرى .
وأهدى رجل من ولد عامر بن لؤي إلى إسماعيل الأعرج فالوذجة وأشعب حاضر فقال: كل يا أشعب، فأكل منها، فقال له: كيف تراها ؟ قال: الطلاق يلزمه إن لم تكن عملت قبل أن يوحي ربك إلى النحل، أي ليس فيها حلاوة.
وبأشعب هذا يضرب المثل في الطمع. قال الشاعر:
إني لأعجب من مطالك أعجب ... من طول تردادي إليك وتكذب
وتقول لي تأتي وتحلف كاذباً ... فأجيء من طمعٍ إليك وأذهب
فإذا اجتمعت أنا وأنت بمجلسٍ ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب
وقيل له: أرأيت أطمع منك ؟ قال: نعم كلبة آل أبي فلان، رأت شخصاً يمضغ علكاً، فتبعته فرسخاً تظن أنه يرمي لها بشيء من الخبز.
رفقا  بالقوارير
بقلم: سليم عثمان
تذكرون وصية أم عاقلة، إنها وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس بنت عوف الشيباني ، قالت هذه الأم الحكيمة  العاقلة  لابنتها ليلة زفافها، وقدمت لها وصية غالية وهدية ثمينة ، فقالت لها: أي بنية لو تركت الوصية لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها معونة للعاقل، وتنبيه للغافل
أي بنية: اعلمي أنك ستفارقين العش الذي فيه درجت، إلى بيت لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً: أما الأولى والثانية: فالخضوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواطن عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه؛ فإن تواتر الجوع ملهبة، وإن تنغيص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالرعاية لماله وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي العيال حسن التقدير، وأما التاسعة والعاشرة: فلا تفرحي إن كان مغتماً، ولا تحزني إن كان فرحاً
ما أحوج النساء إلى مثل هذه الوصية الغالية؛ لتحيا بيوتنا حياة سعيدة
أسأل الله جل وعلا أن يسعد بيوت المسلمين، وأن يملأها رضاً وسعادة، إنه ولي ذلك والقادر عليه
أعتقد أيها الأزواج والزوجات بعد ما علمنا حق الزوج وحق الزوجة، أن حياة البيت ستكون حياة هنيئة سعيدة.
نعم الأم العاقلة الحكيمة في زماننا هذا هي من توصي بنتها ليلة زفافها وقبلها وبعدها  وليست تلك التي تحرض بنتها على زوجها وأهل بيته ،أحد الرجال  الجهلاء قال لزوجته ذات يوم من أيام رمضان يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لامرأة أن تصوم إلا بإذن زوجها ) نسي هذا الزوج  وأمثاله قلة ولله الحمد أن المراد بالصيام هنا: صيام النفل، وليس صيام الفريضة، فطاعة الزوجة لزوجها كما تعلمون  مطلقة في غير معصية الله سبحانه وتعالى، ورسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال : ( استوصوا بالنساء خيرا) وقال : (خياركم خياركم  لنسائهم)، أحدهم   دلق على وجه زوجته إبريقا من الماء ليلة  من ليالي رمضان وهو يذكرها بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم:      (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته -يعني: لتصلي معه، فإن أبت نضح في وجهها الماء) ليس المقصود من حديث رسولنا الكريم أن يفزع الرجل زوجته وهي نائمه بل عليه أن يكون رفيقا بها حين يأمرها أو يدعوها الي أداء ما أفترض الله عليهما  سيما في النوافل ، يقول أحد الشيوخ أن أختا فاضلة بعثت اليه  برسالة تقسم له بالله فيها أن زوجها إذا أراد أن يوقظها لصلاة الفجر وتلكأت بعض الشيء لتعبها أو لمرضها، تقسم لي بالله أنه يذهب إلى الثلاجة ليأتي بزجاجة كاملة ويصب الزجاجة كاملة عليها! بدعوى أنه يوقظها لصلاة الفجر! أهذا خلق؟! ليس هذا من خلق النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن الزوج بهذا الفعل يكون سبباً رئيساً في أن تبغض هذه الزوجة صلاة الفجر، بل في أن تبغض الصلاة، بل في أن تبغض الدين كله فعلى الزوج أن يفهم النصوص القرآنية واحاديث رسولنا الكريم بعمق وأن يكون رفيقا في تطبيقها على الاخرين، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) .13 طه).

كثيرات من بناتنا الصغيرات حين يتزوجن لا يعرفن كيف يتعاملن مع أزواجهن  والسبب في تقديري أننا كآباء وأمهات في زماننا هذا لم نقم بتربية أبنائنا وبناتنا  بالشكل المطلوب ولم نتهتم بتفقيههم في أمور دينهم فهذا زوج صغير في السن يهجر زوجته في الفراش طويلا لسبب تافه ولخصام بينهما لا معني له  فهو لا يعرف لماذا يهجر ؟ وكم يهجر ؟ ومتى يهجر ؟ وهو يظن بذلك أنه يؤدبها ، وها هي زوجة صغيرة تلملم أغراضها وتذهب الي بيت أبيها  والسبب أنها ترى أن زوجها أصبح رجلا اخر غير الذي تعرفت عليه ايام الخطبة فقد كان سمحا  رقيقا لطيفا، اما الان فقد أصبح كريها بخيلا عصبيا الخ ، نعم  من حق الزوجة على زوجها أن يكون الزوج حليماً عفواً كريماً، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، ورب العزة يقول : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } (الروم:21) وهناك فرق كبير بين المودة والرحمة، فالمودة، الحب، فإذا ذبلت وردة الحب بين الزوجين بقيت الرحمة، لتظلل البيوت امنة مستقرة  وتستمر الحياة رغم الصعاب التي تعتريها ، وكما يقولون : البيوت اسرار ، ولو تسور أحدنا بين جارة ربما رأي من المشاكل ما يشيب له الرأس  فكل بيت فيه من المشاكل ما فيه ، وكل سفينة زوجية تلاطمها أمواج الحياة ، ربما جارك وأولاده ينامون جياعا وأنت وأفراد أسرتك رزقهم الله بوجبة عشاء دسمة ، ربما ينامون وليس لهم غطاء  وتنام أنت في دفئ، ربما لديهم أحد مريض وقد شفاك الله من كل مرض، ربما ينام مهموما من ديونه ولا دين لك، ربما لا يملك مصاريف دراسة ابناءه ولا مشاكل مادية لديك ، نعم البيوت اسرار  ربما لو كشف الله علينا استارنا لرأينا العجب العجاب  لذا  فإن أخطأت الزوجة واعترفت بخطئها فليعف الزوج، ولا يفتخر ولا يتكبر، ولا تنتفخ أوداجه، فهذا ليس من خلق الرجال فضلاً عن أخلاق الأزواج الصالحين المؤمنين الصادقين وإن أعترف الزوج على الزوجة أن تسامحه وفي كل الأحوال يجب أن يصفح كل منهما عن الاخر ويتحمل عيوبه حتى تبحر السفينة الي بر الامان ...
في رحاب الحب
بقلم: سليم عثمان
وضع العرب للحب نحو ستين اسما منها هي المحبة والعلاقة والهوى والصبوة
والصبابة والشغف والمقة والوجد والكلف والتتيم والعشق والجوى والدنف والشجو والشوق والخلابة والبلابل والتباريح والسدم والغمرات والوهل والشجن واللاعج والاكتئاب
والوصب والحزن والكمد واللذع والحرق والسهد والأرق واللهف والحنين والاستكانة والتبالة واللوعة والفتون والجنون واللمم والخبل والرسيس والداء المخامر والود والخلة والخلم والغرام والهيام والتدليه والوله والتعب
ومن عجب أني أحن إليهم  *** وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها   ***ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
وقيل :هي أن يكون المحبوب أقرب إلى المحب من روحه
كما قيل:
يا مقيما في خاطري وجناني *** وبعيدا عن ناظري وعياني
أنت روحي إن كنت لست أراها    *** فهي أدنى إلي من كل داني
وقيل :هي حضور المحبوب عند المحب دائما
كما قيل:
خيالك في عيني وذكرك في فمي    ***ومثواك في قلبي فأين تغيب
وقيل هي أن يستوي قرب دار المحبوب وبعدها عند المحب
 كما قيل:
يا ثاويا بين الجوانح والحشى  ***مني وإن بعدت علي دياره
عطفا على صب يحبك هائم  *** إن لم تصله تصدعت أعشاره
لا يستفيق من الغرام وكلما  *** حجبوك عنه تهتكت أستاره.
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي***     متأخر عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا    *** ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم  *** إذ كان حظي منك حظي منهم
أجد الملامة في هواك لذيذة *** حبا لذكرك فليلمني اللوم.
إن التي زعمت فؤادك ملها    خلقت هواك كما خلقت هوى لها
وقال شاعر: تشكى المحبون الصبابة ليتني   تحملت ما يلقون من بينهم وحدي
وفي السنن أن أعرابيا قال للنبي جئت أسألك عن الهوى فقال المرء مع من أحب.
قال ابن الرومي
أعانقها والنفس بعد مشوقة  إليها ***وهل بعد العناق تداني
وألثم فاها كي تزول صبابتي *** فيشتد ما ألقى من الهيمان
ولم يك مقدار الذي بي من الجوى  ***   ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله   ***سوى أن يرى الروحين تمتزجان
وأما البلابل فجمع بلبلة يقال بلابل الحب وبلابل الشوق وهي وساوسه وهمه قال في الصحاح البلبلة والبلبال الهم ووسواس الصدر
وأما التباريح فيقال تباريح الحب وتباريح الشوق وتباريح الجوى وبرح به الحب والشوق إذا اصابه منه البرح وهو الشدة قال في الصحاح لقيت منه برحا بارحا أي شدة
وأما الجنون فمن الحب ما يكون جنونا ومنه قوله
قالت جننت بمن تهوى فقلت لها    *** ألعشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه   ***وإنما يصرع المجنون في الحين
قال الشاعر:
  إذا وجدت أوار الحب في كبدي    أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره    فمن لنار على الأحشاء تتقد
وأما الود فهو خالص الحب وألطفه وأرقه وهو من الحب بمنزلة الرأفة من الرحمة
وأما الهيام قال في الصحاح هام على وجهه يهيم هيما وهيمانا ذهب من العشق أو غيره وقلب مستهام أي هائم والهيام بالضم أشد العطش والهيام كالجنون من العشق والهيام داء
 يأخذ الإبل فتهيم لا ترعى يقال ناقة هيماء قال والهيام بالكسر الإبل العطاش الواحد هيمان وناقة هيمى
وأما الوله فقال في الصحاح الوله ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد ورجل واله وامرأة واله ووالهة
قال الأعشى:
فأقبلت والها ثكلى على عجل   كل دهاها وكل عندها اجتمعا
إن العشق لا يقف على الحسن والجمال ولا يلزم من عدمه عدمه وإنما هو تشاكل النفوس وتمازجها في الطباع المخلوقة كما قيل
وما الحب من حسن ولا من ملاحة    ولكنه شيء به الروح تكلف
قال بعضهم لمحبوبه: صادفت فيك جوهر نفسي ومشاكلتها في كل أحوالها فانبعثت نفسي نحوك وانقادت إليك وإنما هويت نفسي
قال أبو الشيص:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي    متأخر عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا    ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم  إذ كن حظي منك حظي منهم
أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم
ويحكى أن رجلا مرض من يحبه فعاده المحب فمرض من وقته فعوفي محبوبه فجاء يعوده فلما رآه عوفي من وقته وأنشد:
مرض الحبيب فعدته   *** فمرضت من حذري عليه
وأتى الحبيب يعودني    *** فبرئت من نظري إليه
وقالت امرأة تعاتب بعلها :أسأل الذي قسم بين العباد معايشهم أن يقسم الحب بيني وبينك ثم أنشدت
  أدعو الذي صرف الهوى   *** مني إليك ومنك عني
أن يبتليك بما ابتلاني ***أو يسل الحب مني
وقال عروة بن أذينة:
إن التي زعمت فؤادك ملها    *** خلقت هواك كما خلقت هوى لها
فبك الذي زعمت بها فكلاكما   ***أبدى لصاحبه الصبابة كلها
وتزوج زهير بن مسكين الفهري جارية ولم يكن عنده ما يرضيها به فلما أمكنته من نفسها لم تر عنده ما ترضى به فذهبت ولم تعد فقال في ذلك أشعارا كثيرة منها
تقول وقد قبلتها ألف قبلة   ***كفاك أما شيء لديك سوى القبل
فقلت لها حب على القلب حفظه   ***وطول بكاء تستفيض له المقل
فقالت لعمر الله ما لذة الفتى   *** من الحب في قول يخالفه الفعل
وقال ابن الرومي
أعانقها والنفس بعد مشوقة  إليها ***وهل بعد العناق تداني
وألثم فاها كي تزول صبابثي *** فيشتد ما ألقى من الهيمان
ولم يك مقدار الذي بي من الجوى   ***  ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله  *** سوى أن أرى الروحين تمتزجان
قال الأصمعي قلت لأعرابية ما تعدون العشق فيكم قالت العناق والضمة والغمزة والمحادثة
   ثم قالت :يا حضري فكيف هو عندكم قلت يقعد بين شعبها الأربع ثم يجهدها قالت يا ابن أخي ما هذا عاشق هذا طالب ولد
وسئل أعرابي عن ذلك فقال: مص الريق ولثم الشفة والأخذ من أطايب الحديث فكيف هو فيكم أيها الحضري فقال العفس الشديد والجمع بين الركبة والوريد ورهز يوقظ النائم
ويشفي القلب الهائم فقال بالله ما يفعل هذا العدو الشديد فكيف الحبيب الودود
وقال بعضهم :الحب يطيب بالنظر ويفسد بالغمز قال هؤلاء والحب الصحيح يوجب إعظام المحبوب وإجلاله والحياء منه فلا تطاوع نفسه أن يلقي جلباب الحياء عند محبوبه وأن
يلقيه عنه ففي ذلك غاية إذلاله وقهره كما قيل

إذا كان حظ المرء ممن يحبه حراما*** فحظي ما يحل ويجمل
حديث كماء المزن بين فصوله***عتاب به حسن الحديث يفصل
ولثم فم عذب اللثات كأنما***جناهن شهد فت فيه القرنفل
وما العشق إلا عفة ونزاهة ***وأنس قلوب أنسهن التغزل
وإني لأستحيي الحبيب من التي***تريب وأدعى للجميل فأحمل
قيل :العشق حركة قلب فارغ ومتى صادف هذا النظر والاستحسان والفكر قلبا خاليا تمكن منه كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى   فصادف قلبا خاليا فتمكنا
وقال الشاعر:
تالله ما أسر الهوى من عاشق   إلا وعز على النفوس فكاكه
قال الله  تعالى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ }
وفي الصحيح عنه أنه قال إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنى
أدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر واللسان يزني وزناه النطق والرجل تزني وزناها الخطى واليد تزني وزناها البطش والقلب يهوى ويتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه وثبت عنه أنه قال يا علي لا تتبع النظرة
النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية
قال الأصمعي رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة فجعلت أنظر إليها وأملأ عيني من محاسنها فقالت لي يا هذا ما شأنك قلت وما
عليك من النظر فأنشأت تقول:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا  *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر     ***عليه ولا عن بعضه أنت صابر
والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية فإن لم تقتله جرحته وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم يحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل
كل الحوادث مبداها من النظر    ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها   فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها   في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته   لا مرحبا بسرور عاد بالضرر























كل شيء ما خلا الله باطل .ون