الأربعاء، 15 مايو 2013

عيد ميلاد الأمام الصادق المهدي والفجر الجديد


عيد ميلاد الأمام الصادق المهدي  والفجر الجديد

*بقلم: سليم عثمان

كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر

 في الوقت الذي كنت أطالع فيه كاركاتيرا ساخرا  يقول فيه السيد الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة والأنصار  للشيخ الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي : حزبنا اسلامي ويرفض التوجه الذي يقفز فوق المراحل ،ويؤدي الى نتائج سلبية ،فيرد عليه شيخ حسن ساخرا(هاها هاها هاه ) والله يا أبو النسب أنت لا بتجدع ،ولا بتجيب الحجار، كان زعيم حزب الأمة  المعارض، السيد  الصادق المهدي إمام طائفة الأنصار،  يعلن عن ترتيبات يقوم بها لاعتزال العمل السياسي ،والتفرغ لإكمال ستة مهام فكرية واستثمارية، ويحتفل بداره في  مدينة أمدرمان بعيد ميلاده الـ77 بمشاركة اجتماعية واسعة.

: رغم  التأخر قليلا  وعملا بمقولة أن تأت متأخرا  خير من أن أن لا تأتي ،لابد أن نزجي التهاني  الحارة للسيد الصادق المهدي ،ببلوغه هذه السن  والرسول صلي الله عليه وسلم قال : أعمار أمتي بين الستين والسبعين ، وقليل من يتجاوز ذلك، والسيد المهدي إذ ينوى إعتزال العمل السياسي،  في هذه السن بعد عمر حافل بجلائل الأعمال، سواء أاتفق الناس حولها أو أختلفوا ،واحد من القامات السامقة والمحترمة في تاريخ السودان الحديث، لا غرو فهو سليل أسرة سطرت أسمها بأحرف من نور في تاريخ السودان الحديث،  وتعلم في أعرق الجامعات ،ودخل معترك العمل السياسي في سن باكرة بل وتبوأ أرفع المناصب في تلك السن ،ونحن إذ نتمني العمر المديد للسيد الإمام، نشكر له تعوذه  كما فعل رسولنا الكريم ،من أن يبلغ أرزل العمر، ، وكان كثيرون يرجون أن تعتزل قيادتنا السياسية التى تقدم بها العمر في العمل السياسي، ليحل مكانهم جيل شاب يتحمل مسؤولية المرحلة الحالية، فالصادق المهدي حين يفعل ذلك، بمحض إرادته، وهو في قمة  تألقه وعطاءه الفكري والسياسي والاجتماعي ، فهو يسن سنة حسنة، سيكون له ثوابها وثواب من يعمل بها .فلو شخصنا أبصارنا في  أحزابنا القديمة منها والحديثة، لوجدنا من هم أكبر من المهدي، ولا يزالون يعضون بنواجزهم علي المواقع التي جلسوا فيها منذ عشرات السنين، ولا يريدون مبارحتها. لذا لابد أن نشكر المهدي على مبادرته الشجاعة هذه، حتى لو رأي البعض أنها أتت متأخرة بعض الشئ ، ولم أر شخصا تعرض الي النقد بل والتجريح الشخصي كالمهدي و نسيه الترابي في السودان، فهذا إن دل علي شئ فإنما يدل على أنهما قيمة انسانية عظيمة، غض النظر عن موقفنا منهما في كثير من القضايا التي تصديا لها ، فالناس دائما ما ترمي الاشجار المثمرة لترميهم بأطايب الثمر،وقد يقول قائل انهما لم يرمياني الإ بحنظل ، خاصة الترابي،حيث يفعل أولاده في الحزب الحاكم وتلامذته العجب العجاب على كل حال  هل رمانا هؤلاء بأطايب  الثمار؟؟ السيد الصادق المهدي  دافع بقوة عن تولي أبنائه وبناته مناصب قيادية في الحزب والدولة، معتبراً أنهم توصلوا إليها بكفاءتهم وتقديم الآخرين لهم. وقال المهدي مخاطباً من حضروا  تلك الاحتفالية، إن السن تقدّمت به، وأضاف: "مع سني هذه أشعربأن عطائي يزيد ولا ينقص، ولكن عطائي يحجب عطاء القيادات الاخرى". وتابع يقول: "لذا قررت أن أركز على كوكبة بصورة مكثفة من أجل أن يتولوا القيادة وأنا في قمة عطائي، وهذا هو برنامجي الأهم في الفترة القادمة". وقال المهدي أعتقد إنها ستكون تجربة فريدة في ثقافة الخلافة، والناس في العادة لا يفكرون فيها إلا إذا ردوا إلى أرذل العمر أو فرضتها عليهم المنية، ونحن بالفعل نرجو أن تتولي قيادة شابة زمام الأمور في حزب الأمة أحد أعرق الأحزاب السودانية على الإطلاق فقد تراجع دور الحزب مؤخرا لأسباب جمة لعل أولها أن الإنقاذ عمدت على تحطيم ما سواها من كيانات سياسية في المجتمع ولا تزال تحطمها.

على صعيد اخر قلل زعيم حزب الأمة القومي المعارض، الصادق المهدى، من النتائج التي يمكن أن تحرزها القوى السياسية الموقعة على وثيقة الفجر الجديد في كمبالا مع الحركات المسلحة في دارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال بالنيل الأزرق وجنوب كردفان. الجدير بالذكر أنه جاء في الميثاق( أن هذه القوى جميعاً اتفقت على إسقاط نظام المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بزعامة رئيس البلاد عمر البشير، وإقامة فترة انتقالية مدتها أربع سنوات تنتهي بإقامة انتخابات حرة ونزيهة، وينعقد خلالها مؤتمر دستوري يحقق إجماعا وطنيا حول كيفية حكم السودان بمشاركة فاعلة من شعوب وأقاليم وأحزاب السودان وقواه الحية ومجتمعه المدني(هذا كله جيد ولا غبار عليه). وعن وسائل إسقاط النظام نص الميثاق على أن “تعمل القوى الموقعة على هذه الوثيقة على إسقاط النظام بوسائل مختلفة وعلى رأسها العمل السلمي المدني الديمقراطيوهذا ايضا مقبول وشرعي  والكفاح الثوري المسلح.(هنا نختلف مع من وقعوا تلك الوثيقة)  وقد أجمعت على تلك  الوثيقة كرؤية سياسية هادية ومرشدة لمنع الانزلاق نحو الفوضى والانهيار بالتراضي والتوافق بينها مع احتفاظ كل قوة بوسائلها) كما جاء في الميثاق: (تدعم الجبهة الثورية السودانية استمرار وتصاعد العمل السلمي الجماهيري وتحوله لانتفاضة شعبية سلمية كأداة رئيسية لإسقاط النظام، وتدعو جماهيرها للمشاركة في الانتفاضة السلمية ضد النظام، وتؤكد الجبهة الثورية السودانية أنها ستعلن وقف إطلاق نار فوريا وشاملا بمجرد إسقاط النظام)
وقال السيد الصادق  المهدي الذي كان يتحدث في ندوة عن دور منظمات المجتمع المدني في التحول الديموقراطي بدار الحزب بأمدرمان، إنه لا مجال لتوحيد الصف الداخلي والخارجي إلا من خلال التركيز على العمل السياسي وليس عبر الوسائل العسكرية. وأشار إلى أن تلك المبادئ تم الاتفاق عليها في نوفمبر الماضي بين حزبه والجبهة الثورية لتبني العمل السياسي كأساس للعمل المعارض وإحداث التغيير بالبلاد.

وبالعودة الي ما سمي بميثاق الفجر الجديد الذي وقعت عليه بعض القوى المناهضة للنظام فأني أري أن اختيار المكان والزمان له عدة معان عند الموقعين فيوغندا في ظل حكم يويري موسفيني اكبر ديكتاتور في أفريقيا كانت تناهض السودان عداء واضحا حتي في ظل  الديمقراطية الثالثة ،وكانت محضنا لحركة التمرد، بل وكانت داعما أساسيا لفكرة انفصال جنوب السودان عن شماله ولو كانت للإنفصال حسنة واحدة فهي أن يوغندا لم تعد جارة للسودان، ولكن من الطبيعي أن تحملها حميمية العلاقة مع حكام دولة الجنوب الجدد الى أستضافة أي عمل سياسي مناهض للسودان علي أراضيها، المعارضون الذين تخبطوا كثيرا وحاروا في كيفية التعامل الراشد مع حكم الانقاذ ،الذي تطاول  حتى كاد يكمل ربع قرن من الزمان ،لم يهدهم تفكيرهم الفطير سوي الى توقيع هذه الوثيقة البائسة، التى خلطوا بتقديري من خلالها عملا صالحا باخر اكثر سوءا، من حق المعارضة أن تعمل على أسقاط النظام بالوسائل السلمية المشروعة ،ومن حقها أن تخرج مظاهرات مليونية لاسقاط النظام وليس من حقها البتة إدخال البلاد الي مستنقع اعمال مسلحة، تهدد أمنها وأستقرارها المهدد أصلا، نحن مع حاملي السلاح في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان لنيل حقوقهم  المشروعة التي يطالبون بها ونأمل أن يجلسوا الى طاولة الحوار للوصول الي تسوية مرضية، ولكننا بكل تأكيد لا نؤيدهم في الزحف نحو الخرطوم لنسف استقرارها وترويع الامنيين فيها ، أو القيام بأية أعمال عسكرية تطال منشات حيوية قومية هي ملك للشعب السوداني، وليست لنظام البشير، بؤس الوثيقة تنم عن عجز كبير للمعارضة التى لم تقدم طوال سني الانقاذ، أي بديل مقنع للشعب ليلتف حولها ، فكثير من رموز هذه المعارضة ابتلعت الطعوم التى رمتها الانقاذ لهم فمنهم من دخل الحكم وشوه سمعته ومنهم من قبض ثمن سكوته ومنهم من اكتفى باستعادة املاكه ومنهم من خاف على حياته وحياة ابناءه ومنهم  ومنهم الخ فاذا كان  نظام الانقاذ بقيادة البشير سيئا، فالمعارضة بتصرفاتها غير الحكيمة هذه تصبح أكثر سوءا، لذا كان من الطبيعي ان يتبرأ منها الامام الصادق المهدي والمؤتمر الشعبي وكثير من القوي الوطنية، وخطورة هذه الوثيقة لا تكمن فقط فيما يمكن ان  تجلبه تنفيذ بنودها من متاعب، في حال لجوء المعارضة للسلاح ،واستخدامه كلغة للحوار بل تكمن في أن الجهات التي تسمي نفسها بالهامش ،واقصد دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق والحركة الشعبية قطاع الشمال ، ستضعف  قضيتها العادلة، التي طالبت الأمم المتحدة وامريكا والكثير من القوي الغربية حكومة الخرطوم بفتح الحوار حول كافة القضايا التي يقاتلون من أجلها ،لذا فإن  فأي تحرك عسكري سوف يمنح الحكومة المزيد من عسكرة سياساتها ،ومن شأن ذلك أن يدخل بلادنا في دوامة من العنف لا تحمد عقباه، وفي الاذهان ما يحدث الان في سوريا،  بل  دخولنا دوامة العنف سوف يعني بالضرورة تعليق حل كل القضايا مع دولة جنوب السودان ،لأنها من خلال قطاع الشمال في الحركة الشعبية تعتبر طرفا أصيلا في ميثاق كمبالا، والغريب أن دولة جنوب السودان لا تزال تصر علي تسمية جيشها بجيش تحرير السودان، لا ادري بعد انفصالهم مم يريدون تحريرنا؟ إن كانوا يقصدون تحريرنا من البشير وحكمة، فنحن كفيلون به ولا شأن لهم بأمورنا الداخلية مهما تعقدت،ربما ظنت المعارضة وهي تختار هذه الأوقات العصيبة  التى تمر بها البلد من تدهور للوضع الاقتصادي، وترد في خدمات التعليم والصحة ،وكل شئ أنه الوقت المناسب لإسقاط الحكومة ، الإسقاط يا هؤلاء ليس شعارات منمقة نطلقها في صالات وغرف فنادق الجوار الاقليمي، إسقاط الحكومة يتطلب رؤية ثاقبة يجمع عليها سواد السودان الاعظم، على الاحزاب المعارضة إن كانت جادة في اسقاط النظام أن لا تتخلي أبدا  عن الوسائل السلمية، لأن من شأن ذلك أن يقوى ثقة الشعب فيها، اما العمل المسلح لا أظن أنه سيضيف فردا واحدا الي كتائبه ومليشاته، والغريب في أمر بعض احزاب المعارضة، أن قيادات الصف الأول  فيها لا تريد تغبير أقدامها في قضية يعتقدون أنها عادلة وجوهرية ومركزية بالنسبة لهم، وهو اسقاط النظام، المعارضة باختصار ظلت تطلق الشعارات الجوفاء الفارغة من كل مضمون، تحلم بأن مجرد التوقيع على وثيقة (لاتساوي ثمن الحبر الذي مهرت به )كفيل بأن يحملها الى كراسي الحكم الوثيرة، التي يجلس عليها الانقاذيون ولا يريدون التفريط فيها الا بعد ان تراق منهم كل الدماء كما يقولون: ونحن اذ ننتقد سلوك المعارضة وتفكيرها في اللجوء الى العمل المسلح، واعتماده ضمن خيارات اسقاط النظام نقول للحاكمين في الخرطوم: ان لغة التهديد والتخوين لن تحل قضايا السودان ،لذا لابد وهي تشرع في لم الشمل ان تقنع المعارضة بانها على اهبة الاستعداد الي تغيير سياساتها، التى جعلت هؤلاء ينفرون منها ويفرون فرار السليم من الاجرب، نعم نحن ضد أن يحاول البعض ابعاد الدين عن حياتنا ، لأننا جميعا مسلمون  بالفطرة ،ولكننا لابد ان نظهر لهؤلاء اننا مستعدون للتحاور معهم في كل هذه القضايا الرئيسية ،ونحن نضع وثيقة الدستور، التي نأمل ان تكون جامعة وموحدة لنا ،لا سببا في مزيد من الفرقة والشتات والتناحر،الدين وتقسيم الثروة والسلطة والعدل وغيرها من المسائل، تحتاج ان نتحاور حولها بأفق مفتوح  بعيدا عن التخوين والتهديد بأستخدام السلاح  من هذا الطرف أو ذاك.

من جانبه وصف مساعد الرئيس السوداني الدكتور نافع علي نافع ، إعلان "وثيقة الفجر الجديد" لإسقاط نظام الرئيس عمر البشير بأنه "فجر كاذب" . مشيرا إلى تبرؤ موقعيه من الشريعة الإسلامية وقال نائب الامين العام للمؤتمرالشعبي إبراهيم السنوسي في حديث لـ(السوداني) إن الوثيقة بها مسعى واضح لفصل الدين عن الدولة واستبداله بنظام علماني ، لافتاً إلى أن حزبه مع سياسية تغيير واسقاط النظام عن طريق العمل السياسي وليس المسلح. وأكد السنوسي أن حزبه تبرأ من الشخص الذي وقع باسمه على تلك الوثيقة. وحذر السنوسي قيادات المعارضة من المضي في تنفيذ وثيقة كمبالا لأنها تفتح الباب لتقسيم السودان من خلال بند الاقاليم الوارد بها،  وجدد الدكتور التجاني سيسي رئيس السلطة الاقليمية لدارفور إدانته لوثيقة (الفجر الجديد) الموقعة في كمبالا مؤخرا بين أحزاب سودانية معارضة و (الجبهة الثورية) المتمردة ، مشيرا إلى أن قضايا السودان لا تحل إلا عبر الحوار باعتباره السبيل الوحيد لمعالجة كافة قضايا البلاد.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا كرم كالتقوى، ولا قرين كحسن الخلق، ولا ميراث كالأدب، ولا فائدة كالتوفيق، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ربح كثواب الله تعالى، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة، ولا زهد كالزهد في الحرام، ولا علم كالتفكر، ولا عبادة كأداء الفرائض، ولا إيمان كالحياء والصبر، ولا حسب كالتواضع، ولا شرف كالعلم، ولا مظاهرة أوفق من المشورة؛ فأحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وأذكر الموت وطول البلى.

وأنشد لأبي الجهم: السريع
والمرء منسوب إلى فعله ... والناس أخبار وأمثال
يا أيها المرسل آماله ... من دون آمالك آجالد

قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: اتق الله يا أمير المؤمنين، فقال له رجل: لا تألت أمير المؤمنين، فقال عمر: دعهم فلا خير فيهم إذا لم يقولوها، ولا خير فينا إذا لم تقل لنا، ومنه قوله تعالى " وما ألتناهم " أي ما نقصناهم

وقال معاوية لصعصعة بن صوحان: صف لي الناس، فقال: خلق الله الناس أطواراً، فطائفة للعبادة، وطائفة للسياسة، وطائفة للفقه والسنة، وطائفة للبأس والنجدة، وطائفة للصنائع والحرف، وآخرون بين ذلك يكدرون الماء ويغلون السعر.

*كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر






 

 




 

الأذن تعشق قبل العين أحيانا


الأذن تعشق قبل العين أحيانا

بقلم: سليم عثمان

كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر

يقول الشاعر العربي  الكفيف الراحل بشار بن برد:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ...والأذن  تعشق قبل العين أحيانا .

قالوا:بمن لا ترى تهذي؟ فقلت لهم: ...الأذن  كالعين توفي القلب ما كانا.

تذكرت هذين البيتين لبشار  في مناسبة اليوم العالمي للراديو  الذ احتفل به العالم في الثالث عشر من فبراير الجاري، فتذكرت صدق الشاعر في هذيانه العفيف ، ومع أن هذيانه كان عشقا بالأذن  لأنثي رقيقة ،الا أننا يمكن أن نستعير المعني لحب فطري لأذاننا  للراديو، هذا الجهاز العجيب الذي لم يفقد سحره ، الذي هو من سحر الكلمة ورنينها الذي يجلو الاذان ، نعم فالعقل دائما أقرب الى الّن منه الي العين،في نقل المشاعر والأحاسيس  وفي القران الكريم السمع مقدم على البصر في نحو 17 موضعا وكثيرا ما جاءت بصيغة المفرد والبصر بصيغة الجمع وكأن  أذن واحدة خير من عيون كثيرة.

المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة(اليونسكو) حددت يوم13 فبراير من كل عام يوما عالميا للإحتفال بالراديو، ويعود الإختيار الي اليوم الذي بدأ فيه  بث أول إذاعة للأمم المتحدة عام 1946، لكن وراء الإختيار أكثر واقعة طريفة تظهر مدى تأثير الراديو في جمهور المستمعين منذ بدايته فقد رغبت أسبانيا وهي التي قدمت إقتراح اليوم العالمي للراديو،أن يكون ذلك اليوم المقترح هو 30 أكتوبر، ففي ذلك اليوم من عام 1938 بثت على اذاعة بي بي سي الأم معالجة درامية لرواية الكاتب الانجليزي (إتش جي ويلز)(حرب العوالم) التي يتخيل فيها إحتلال كائنات من المريخ للأرض وكانت مدة المعالجة ساعة قدم معظمها في شكل نشرة أخبار وقد أدى هذا الي إنتشار الاضطراب بين جمهور المستمعين  الذين أعتقدوا أن ما يسمعونه من أحداث هو نشرة إخبارية حقيقية.وفي نهاية المناقشات اثر الاعضاء على اعتماد 13 فبراير  للاحتفال بهذه المناسبة ، لكن ما الهدف من تحديد اليونسكو هذا اليوم سنويا للاحتفال بالراديو؟ الهدف الرئيسي هو: زيادة الوعي بين عامة الناس وبين العاملين في وسائل الاعلام بأهمية الراديو، شخصيا بدأت علاقتي بالراديو (الترانستور) وانا بعد يافع صغير لم يدخل المدرسة الإبتدائية  لم يكن في بيتنا راديو لكن في بيت عمي الذي يجاور بيتنا ، كنت أسمعه يطنطن بكلام كنت لا أفهم معظمه غير إني كنت أطرب للموسيقي والغناء، لا تسألوني متي كان هذا فأنا لا زلت في ميعة الصبا، كما ترمي اليونسكو الي تحسين التعاون الدولي بين المذيعيين في محطات الاذاعة في العالم وتشجيع من بيدهم إتخاذ القرار على توفير سبل لنقل المعلومات عبر الراديو مما يؤدي في النهاية الي المساهمة في النمو المتواصل للمجتمعات، كما تعلمون فإن الراديو وسيط إعلامي ذا تاريخ طويل جدا- من الاستمرار علي قيد الحياة،منذ أول بث إذاعي في أوائل العشرينيات من القرن الماضي وحتي عصر المعلوماتية والتكلنوجيا الرقمية  وهو يعد من الوسائل الأكثر جذبا للمستمعينفي أرجاء العالم كافة من حيث وصوله الي أكبر عدد منهم وسوف نبين ذلك لاحقا في سياق مقالنا هذا بالإحصاءات والأرقام، ورغم طغيان البث التلفزيوني في زماننا هذا الا أن الراديو لديه من المميزات الكثيرة ما يجعله وسيطا لا ينافسه وسيط اخر حتي التلفزيون ،هل يستطيع مزارع في قريتي الصغيرة  الراقدة في حضن  وضفة النيل الغربية شمال مدينة دنقلا  حاضرة الولاية الشمالية (قرية الزورات) أن يحمل تلفازا فوق حماره أعزكم الله ليتابع الجزيرة  أو تلفزيون السودان أو تلفزيون بي بي سي وغيره من الفضائيات؟ هل يستطيع أن يشاهده داخل مزرعته وهو يتحرك هنا وهناك ويعمل ؟ الإجابة ببساطة لا لكنه يستطيع أينما ذهب أن يعلق راديو صغير يعمل بالبطاريات في عنقه ويتابع أحداث العالم كل لحظة ، بل يستطيع أن يتابع مسرحيات شكسبير ومباريات هلال مريخ وغيرها (طالما الأذن تعشق قبل العين).

في تاريخ الراديو أسم اخر كان له أثر كبير في انتشار ذلك الجهاز في العالم ، خاصة في أفريقيا وهو (تريفر بيليس)ففي أوائل التسعينات كان بيليس يشاهد برنامجا تلفزيونيا لجمع التبرعات للمحتاجين في أفريقيا لمواجهة الجفاف هناك وفكر في حاجة السكان هناك وسط الصحراء لوسيلة تساعدهم في الوصول للمعلومات بكلفة ذهيدة وعلي الفور تولدت لديه فكرة الراديو الذي لا يحتاج بطاريات للتشغيل ، وصمم بيليس جهازا يشحن يدويا وقت الحاجة،كما كانت بعض أجهزة الغرامفونات القديمة تعمل في الماضي وفي أبريل 1994 عرضت بي بي سي  اختراعه (Freeplay Radio)  ثم صنع باحجام مختلفة يسهل حملها وشحنها يدويا وقت الحاجة للاستماع .

 شخصيا لا أعرف كم من المحطات الإذاعية في بلدي السودان لكني أعرف الي جانب إذاعة أمدرمان الشهيرة عددا من المحطات الاذاعية الولائية ومحطات الأف أم الحديثة ،  والغريب أن الفضائيات هي الأخري شعرت بحاجة الناس الي مثل هذه المحطات فأطلقتها فكثيرا ما اتابع بث قناة الجزيرة في الدوحة وأنا ذاهب الي عملي أو عائدا منه، وقد تندهشون لو علمتم أن هناك أكثر من 44000 الف محطة إذاعية في العالم، وأن الراديو برشاقته أستطاع أن يقتحم 75% من البيوت في الدول النامية ولكم أن تتخيلوا عددها، كما يصل الراديو الي 70% من سكان العالم عبر الهواتف المحمولة، ولم تنس الإذاعة الجنس اللطيف  فهو يصل الي أولئك النسوة اللأتي لا يستطعن حضور فصول تعليمية خارج بيوتهن لأي سبب من الأسباب ، ويستمع الناس الي محطات(AM,FM) عبر أجهزة الراديو  أو الهواتف المحمولة أكثر من الاستماع اليها عبر الأقمار الصناعية(الستلايت) أو حتي الأنترنت  بل إنه فرض نفسه  كوسيط على الهواتف المحمولة التي أصبحت أداة لبث محطات إذاعية كثيرة ، تجذب عددا كبيرا من المستمعين حول العالم.

في السودان أنشئت الإذاعة السودانية في أول أبريل 1940م إبان الحرب العالمية الثانية من المال المخصص للدعاية للحلفاء في حربهم مع دول المحور واختيرت لها غرفة صغيرة بمباني البوستة القديمة بأم درمان وقد وزعت مكبرات الصوت في بعض ساحات ام درمان الكبيرة لتمكن اكبر عدد من المواطنين بمدينة ام درمان من الاستماع إلى الإذاعة التي كانت تبث نصف ساعة يومياً . من الساعة السادسة مساء  إلى السادسة والنصف مساء وكانت تقدم خلال نصف الساعة هذه تلاوة من القرآن الكريم ونشرة خاصة بالحرب واغنية سودانية بواسطة مكبرات الصوت لجمهور الذى كان يقف أمام مبنى البوستة بأم درمان و  الاستاذ عبيد عبد النور هو اول مذيع رسمي فيها وفى سنة 1942م انتقلت الإذاعة من مبنى بوستة أم درمان القديمة إلى منزل بالإيجار بأم درمان غرب مدرسة الدايات بأم درمان وبدأت تذيع على موجة متوسطة هي 524 متراً وتوسع البرنامج بعد ذلك إلى ساعة كاملة يومياً.
بعد أن وضعت الحرب أوزارها أوقف الحلفاء الميزانية التي كانت تخصصه للدعاية وكادت أن تتوقف الإذاعة وهنا تدخل مستر (ايفانس) وحصل على تصديق ميزانية الإذاعة من السلطات الاستعمارية في البلاد وبذلك أصبحت ميزانيتها تابعة لاول مرة لحكومة السودان حتى تكون بوقاً للاستعمار وحرباً على الاتجاهات الوطنية الناشئة في ذلك الحين والداعية إلى التحرر وحق تقرير المصير وظل الحال هكذا إلى آن وقعت اتفاقية القاهرة في 13 فبراير 1953م والتي نال السودان استقلاله بمقتضاها فيما بعد،
نقللت اذاعة امدرمان أول حفل غنائي ساهر من خارج العاصمة من مدينة عطبرة عام 1958 عدد 23 مديرا تعاقبوا عليها اولهم مستر فنش دوسون واخرهم الأستاذ معتصم فضل ،اسماء كثيرة رنانة عانق صوتها اذاننا ونحن صغارا وكبارا ، عبد الرحمن أحمد محمد صالح ، علم الدين حامد ، ليلي المغربي، عطية الفكي ، ذو النون بشري ، عمر الجزلي ، الرشيد أحمد فضل ، حامد عبد الرؤوف ، محمد الكبير الكتبي (حاليا بقناة الجزيرة ) عمر عثمان ،  سكينة عربي ، الزبير عثمان أحمد وغيرهم كثير نكتفي بهؤلاء ونعتذر لأولئك الذين لم نورد أسماؤهم فقط لضيق المساحة فهم جميعا خالدون في وجداننا أحياء وأمواتا .واذا انتقلنا لإذاعة البي بي سي في عصرها الذهبي من منا لا يذكر  افذاذا وعمالقة مثل ، السوداني الراحل الطيب صالح و ايوب صديق  واسماعيل طه ،و الفلسطيني ماجد سرحان و المغربي محمد الازرق  ومحمد الحسن الشايش  ونجا فرج  ومحود المسلمي من مصر ومديحة المدفعي  وحسام شبلاق وسامية الأطرش من العراق وحسن معوض  وعمر الطيب وسعيد الشيخ  من السعودية ، واللبناني محمد صودان  والجزائري محمد  صالح الصيد ،وجميل عازر وفؤاد عبد الرازق وعلي اسعد وحسن الكرمي ورشاد رمضان  وغيرهم .

وتجمل بي بي سي أهم قواعد الكتابة للراديو في النقاط التالية التي تنطبق على جميع الأشكال الإذاعية بدرجات متفاوتة ما عدا الخبر الذي يعد أكثرها التزاما والتصاقا بالقواعد التقليدية، أولا: الصوت جزء أصيل وأساسي من النص وليس مكملا أو مجملا له، فكثيرا ما يولي الصحفي الإذاعي إهتمامه لمضمون المادة التي يعمل عليها. وعندما ينتهي من كتابة النص يبدأ التفكير في ما يمكن أن يلحقه بالنص. وقد تكون هذه الأصوات مقتطفات صوتية لمتحدثين أو أصواتا مجسدة للأجواء المحيطة بالموضوع، كضجيج القطارات أو الطائرات إلخ، بينما إن أراد الصحفي أن يكتب نصا إذاعيا جيدا عليه أن يبدأ بالبحث عن الأصوات المحتملة.

هذه هي الخطوة الأولى في الكتابة الاذاعية. ومن ثم يتمحور النص على هذه الأصوات وليس العكس. والنتيجة نص إذاعي متكامل العناصر وليس نصا صحفيا مكتوبا للصحافة المقروءة. فالصوت هنا هو المعادل للصورة في التلفزيون أو في السينما. وهو ضروري لمادة إذاعية جيدة كما أن الصورة ضرورية للتلفزيون.

القاعدة الذهبية للكتابة للراديو: إكتب للراديو كما لو كنت تكتب للتلفزيون وابدأ بتخيل الصورة الأولى في التقرير ثم حول هذه الصورة إلى صوت.

ثانيا: تطويع اللغة العربية، وهي لغة ثرية وقادرة على التعبير بدقة، وليست لغة جامدة في قوالب تقليدية متكررة، ولكن تكرار إستخدام بعض التعبيرات جعل هذه التعبيرات الجامدة تبدو وكأنها ضرورية للنص الإذاعي وهو ليس بالأمر الصحيح.

من الأمثلة على هذه التعبيرات الشائعة في الكتابة الإذاعية جملة "وأضاف قائلا....". وهو تعبير يمكن الاستغناء عنه بسهولة دون أدنى تأثير على النص، وإلغاؤه يجعل النص متحركا ويبتعد به عن القوالب الجامدة التي ملتها الأذن من كثرة تكرارها.

ويرتبط بتطويع اللغة أيضا إستخدام الجملة الإسمية بدلا من الجملة الفعلية في بعض المواضع مما يجعل اللغة أقرب إلى اللغة المحكية.

ثالثا: الالقاء، عندما تكتب موضوعا للإذاعة تخيل صديقا وقد جلس أمامك وبدأت "تحكي له" ما تكتب عنه. تخيل الجملة الأولى التي عليك استخدامها لكي تجذب انتباهه، وتذكر أن قراره الاستمرار في الاستماع إليك يتوقف على هذه الجملة. فبها يمكنك أن تجذب المستمع لكي يتابع القصة أو تفقده إلى الأبد إن وجد الجملة الأولى مملة أو عديمة الأهمية.

إبتعد عن التمهيد الذي يستهلك الوقت ويكرر ما ذكره المذيع عند تقديمه للمادة. وهو فارق رئيسي بين الكتابة للراديو والكتابة للصحافة المقروءة. في الراديو تكون الثواني معدودة وثمينة ولاحاجة على الإطلاق للتمهيد.

حافظ على البناء بسيطا وسلسا قدر الأمكان مع التركيز على الزاوية التي اخترتها للمادة من دون الإنزلاق الى زوايا أخرى أو جوانب إضافية للموضوع. تذكر أنها مادة مسموعة من السهل ان تفقدها الأذن من دون أن تكون هتاك فرصة للعودة إليها مرة أخرى على العكس من المادة في الصحافة المكتوبة.

ترى هل كل شخص يصلح أن يكون مذيعا في الإذاعة ؟ لا أعتقد أنا شخصيا ذلك ولا أصلح  أبدا أن أكون مذيعا في التلفزيون، ببساطة لأني لا أمتلك أي قدر من الوسامة المطلوبة ، للظهور  في الشاشة ،أما بالنسبة للإذاعة ، فكوني مجيدا للغة الدناقلة  بالضرورة يعني هذا  أن لدي لكنة ،في لساني تجعلني لا أصلح لميكرفون الإذاعة ، وتلخص آن أترباك في أحد فصول كتابها (دليل الصوت الإذاعي) الخطوات المهمة للمذيع حتى يعتاد على الأداء بأسلوب الأحاديث اليومية الحوارية العادية في خمس، هي: إعداد النص الذي سيقرؤه إعدادا جيدا، وتقسيمه إلى عبارات وجمل، يفصل بينها وقفات مختلفة، من حيث درجة الصوت حدة وغلظة، ومراعاة السرعة التي سيقرأ بها، وحتى تستطيع الأداء بهذا الأسلوب الحواري العادي عليك أن تتخيل أمامك شخصا تعرفه جالسا أمامك، وأنك تتحدث إليه، ثم عليك أن تتخيل هذا الشخص في غرفة، وأنك توجه إليه الحديث، أو تحادثه، فأنت لا تخاطب الميكروفون أو الكاميرا، بل تتحدث مع هذا الشخص، ويأتي بعد ذلك دور العاطفة، وموضوع العاطفة في نقل الأخبار مثير للجدل، لكن ثمة فرقا بين الحيادية أو النزاهة، وعدم الإحساس، فإذا نأى المذيع بنفسه عن العواطف تماما فسيكون -كما تقول أترباك- أقرب إلى الإنسان الآلي في أدائه. ويمكن للعواطف أن تظهر في استخدام سرعة أبطأ في الأداء مثلا، أو في ترقيق الصوت قليلا بما يناسب القصة المعروضة، ثم على المذيع أن يتخيل المكان الذي حدثت فيه القصة، فهو عين وأذن المستمع أو المشاهد، الذي يعتقد دوما أن المذيع أو الصحفي موجود في مكان الحدث، وهكذا لم يعد من بين سمات المذيع اليوم ومهاراته الضرورية الصوت الطلي، أو الجمال البهي، لكنه أصبح متحدثا ومتحاورا ذكيا، يستطيع بمهاراته إقناع المستمع أو المشاهد أنه في مكان الحدث، وأنه يتحدث معه، وليس يقرأ نصا معدا من قبل.

نعم كما قالت السيدة إيرينا بوكوفا المديرة العامة في رسالتها بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة :لقد حولت الإذاعة ماضينا – وهي لا تزال أداة قوية لبناء عالم جديد يعمه السلام وتهيئة مستقبل أكثر إستدامة وأكثر شمولا للجميع ولا تزال الاذاعة اكثر من أي وقت مضي قوة للتغيير الاجتماعي من خلال تبادل المعرفة وتوفير منبر للنقاش الجميع  نحيي الرعيل الأول من الإذاعيين السودانين وفيهم خبراء إتصال كبار أمثال البروفسير علي محمد شمو  كما نحي كل الاذاعيين السودانين والعرب  ونتمني على حكومتنا  بأن تدعم الإذاعة كثيرا حتي تصل  رسالة التنوير كل بيت سوداني في اصقاع السودان المترامية .

 

 

 

الأذن تعشق قبل العين أحيانا



أحكموا فوهة بركان أبيي بقلم: سليم عثمان ختم زميلنا الدكتور عبد اللطيف البوني مقاله الاسبوع الفائت والمنشور في( سودانايل) بقوله : على الحكومة أن تقول أن: ابيي سودانية يسكنها شعب سوداني مسيرية أو حتى دينكا او غيرهم بالتالي حمايتها مسؤلية حكومة السودان، وشعب السودان كله، وفي سياق تعقيبه على سحب مقال له من قبل إدارة سودانايل ، بعنوان (لا يبلغ العبد التقى حتى يستوي عنده المادح والذام ) قال الزميل أيويل لاز كون من جوبا ، أنه يقول بجنوبية أببيي ، و عتب الزميل أيويل على إدارة سودانايل كثيرا لسحب مقال له بعنوان (الغدر والخيانة من صلح الحديبية إلى آبيي الجنوسودانية) وللأسف الشديد لم يتسن لي قراءة ذلك المقال، وبالتالي لا يحق على التعليق عليه ،لكني أشكر( لسودانايل ) حرصها على استكتاب كتاب من دول أخري سواء كانت مصر أو غيرها أما أستكتاب كتاب من دولة الجنوب فهو مما يجعل شعرة معاوية موصولة بين شعبي الدولتين ،عسي الله يوحدهما يوما ما ، لكني بدوري أسأل الزميل أيويل،هل تسمح الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان بأن يكتب كتاب شماليون في صحف جوبا ؟ويقولون مثلا بتبعية أبيي للشمال؟ لا أظن وإن حدث مثل هذا الأمر فأنا أضمن بتوحد شطري السودان قريبا جدا ، ربما بمجرد زوال الحزبين الحاكمين هنا وهناك. وعودة الي ما ختم به الزميل د/البوني مقاله ذاك أقول أنه بتقديري ليس هناك سوداني واحد يمكن أن يقول بجنوبية أبيي، نعم قد لا يكون للعامة من أهل السودان وثائق تثبت ملكية تلك البقعة العزيزة للسودان ، ولكنهم من فرط تمسكهم بكامل التراب السوداني ،سوف يتفقون مع د/ البوني فيما ذهب اليه، وهو أستاذ علوم سياسية ، وكاتب لا يشق له غبار، وقد يدفعون الحكومة الى إعلانها صريحة ثم الدعوة الي القتال من أجلها، حتي اخر رجل، واخر قطرة دم ، و أيضا من حق الزميل أيويل أن يري في أبيي ما يرى، و نحن نقول أن نتحاور حول الأمور المختلف عليها كدولتين أمر لا غبار عليه، أما التهديد باللجوء الي إستخدام القوة فهو المرفوض ، لذلك نحن دائما من دعاة الحوار والتفاوض والحلول السلمية في كافة القضايا العالقة ،سيما قضية أبيي ،ومع إدانتنا الشديدة لمقتل سلطان دينكا نقوك مؤخرا ، الا أننا نرفض إستغلال الحادث لإختطاف هذه القضية ،وأخراجها من مسارها الطبيعي، فالسودان عبر قنواته الرسمية أدان الحادث بشده ،بل ووعدت السلطات بالتحقيق الشفاف فيه وصولا لتقديم الجناة للعدالة ، لكن كل من يعرف جغرافية المنطقة ، ويدرك حجم التوتر فيها، يمكن أن يتصور وقوع حادث جلل وصادم ، مثل الذي حدث للسلطان كوال دينق ماجوك، فمن قاموا بالحادث قطعا لا يهمهم السلام الهش في المنطقة، ولا يهمهم أستقرارها ، كما أننا بذات القدر نستغرب من زعيم سياسي وأجتماعي كبير كالراحل كوال، أن يتوغل عدة كليومترات في منطقة يدعي كل طرف سيادته عليها، لأن في ذلك إستفزازا كبيرا للطرف الاخر ، ومثل ذلك التحرك كان يمكن أن يكون طبيعيا، في ظروف طبيعية ،وكان يمكن أن يكون طبيعيا ، ومقبولا لأناس عاديين، من سكان المنطقة ،سواء كانوا من دينكا نقوك أو المسيرية، أما أن يجي ذلك التحرك من رجل في قامة السلطان الراحل ومكانته، ومع استصطحابنا لحسن النوايا عند الراحل، ولمن كانوا في معيته، الا أن تحركهم كان غير مقبولا، لذلك من غير المعقول أن تحمل دولة الجنوب مسؤولية مقتله كاملة لحكومة السودان، وتتجاهل ما قيل أنه طرف ثالث لديه مصلحة مؤكدة في تأجيج الصراع حول بؤرة أبيي الملتهبة أصلا، ومعلوم أن القوات المسلحة لا تشرف على تلك المنطقة ،ولا وجود للشرطة السودانية فيها ، بل قوات حفظ السلام الأثيوبية في المنطقة والمعروفة (باليونسيفا ) هي من تتولي مسؤولية السلام والأمن هناك ، الطرفان السودان وجنوب السودان، أرتضيا وجود تلك القوات على تلك الأرض ، عوضا عن أية قوات أممية أخري في المنطقة ، وبالتالي تلك القوات هي المسؤولة الأولى عن كل صغير وكبير فيها، لذلك لا بأس ان تضم لجنة التحقيق ممثلين لحكومتي البلدين وتلك القوات للوصول الى الحقيقية المجردة دون تسييس ، ودون استغلال بشع للحادث خدمة لأغراض غير حميدة. والإتحاد الأفريقي الذي يرعي المفاوضات ،بين حكومتي البلدين، في أديس أبابا ،لا ينبغي له أن يظهر مزيدا من الإنحياز للطرف الجنوبي، في تلك المفاوضات سيما في قضية أبيي، لأنه إن فعل ،فهو يصب مزيدا من الزيت ،على نار مشتعلة أصلا، أتصور أن قادة قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك ، لديهم من الحكمة والعقلانية ما يجعلهم يقدمون الكثير من الإلهام ، والمقترحات البناءة لطي هذه المشكلة، أما دخول أطراف متشددة توصف بالصقور في هذا المعسكر أو ذاك، فمن شأنه أن يسرع من وتيرة أشتعال النيران التي سوف تقضي على أخضر ويابس البلدين الجارين، وليت حكومتي البلدين تعملان بمقترحات الأمام الصادق المهدي، بتشكيل مفوضية حكماء وما أكثرهم في الجانبين، لإجتراح حل يرضي طرفي الصراع ( المسيرية ودينكا أنقوك) أبيي مهما بدت أستراتيجية ومهمة للطرفين، ومهما قيل أنها تسبح فوق بحيرة نفط أو حتي محيط كامل ، تظل مجرد أرض لا ينبغي بحال من الأحوال أن تذهب بسببها أرواح إضافية بريئة هنا وهناك . حسب علمي لم يمت أناس كثر بين المسيرية ودينكا نقوك طوال تعايشهم مع بعضهم بل معظم القتلي سقطوا في مواجهات مباشرة بين الحركة الشعبية وقواتنا المسلحة. المسيرية والدينكا تعايشوا في أبيي لأكثر من مائتي عام ، في وئام ومحبة ويقول د/ عبد الكريم القوني ،أحد المختصين في شئون المنطقة، في ورقة له قدمها في ندوة نظمها مركز الجزيرة للدراسات مؤخرا بالدوحة ، بعنوان( دولتا السودان .. فرص ومخاطر ما بعد الإنفصال.. منطقة أبيي كنموذج للنزاع بين الدولتين) أن قبيلة المسيرية جاءت الى أرض خلاء ، لا تسكنها الإ الضواري، فسكنت فيها ،ثم ساكنتهم فيها قبيلة الدينكا ، وبعد ثلثمائة عام قالت، السياسة للقبيلة الأفريقية العربية ،هذه الأرض للقبيلة الأفريقية فأخرجوا منها، ويضيف : لو قبل العالم بهذا المبدأ لترك الأوربيون أمريكا للهنود الحمر، ولتم طرد الأفريكانز من جنوب أفريقيا، والقائمة ستمتد ، ويري أن الحركة الشعبية ومن يقفون خلفها ، يعملون على حرمان المسيرية ،من حقوقهم في ملكية الأرض ، وحتي من حقوق الرعي التي كفلتها الإتفاقيات الموقعة ، مما جعل قبيلة المسيرية تقاتل من أجل وجودها في أبيي . أبيي هي أم المعضلات العالقة بين دولتي السودان ، أخطر من النفط ومن الحدود المختلف عليها ، رغم أنها في الحقيقة ليست سوى قرية صغيرة لا يتعدي سكانها حوالي عشرة الاف، وحوالي ثلاثين الف في ريفها ، يعيش أهلها على الزراعة والرعي ، المنطقة تحاد ولايتي بحر الغزال وأعالي النيل ، أكثر دينكا نقوك يقيمون في المنطقة طوال العام ،وتقيم بها قبيلة المسيرية بين أكتوبر ومايو من كل عام حيث يتحركون بمواشيهم ، التي تتجاوز 5 مليون رأس ، غير أن عددا من أفراد قبيلة المسيرية مقيمة بشكل دائم في أبيي ، وحولها ، دينكا نقوك ثقافيا ولغويا كما يرى د/ القوني قبائل من جنوب السودان، توجد في كل من ولايتي بحر الغزال وأعالي النيل ،بينما المسيرية قبائل أفريقية ذات جذور عربية ، نصف المسيرية يقيمون في أبيي ،ونصفهم الاخر يرحل مع الكلأ أينما نبت ، وفي إحدي السنوات حينما منعت الحركة الشعبية المسيرية من التوغل في أراضي الجنوب، نفقت الالاف من مواشيهم جوعا وعطشا ،ورحلات رعيهم مستمرة منذ أكثر من 300 عاما ، وفي المنطقة نفط ، وهو ربما ما يجعل كل دولة تستميت في ملكية المنطقة اليها ، وقد إستمر القتال بين القوات المسلحة والحركة الشعبية خلال العقدين الماضيين لكننا لا نتمني أن يندلع القتال في المنطقة لأي سبب من الأسباب وأستغلال الحوادث صغيرها وكبيرها من قبل هذا الطرف أو ذاك هو الخطر المحدق والمحتم الذي ينبغي عدم السماح لأي طرف بالإتكاء عليه . يقول تاريخ المسيرية الشفاهي أنه عندما هزم المسيرية الاجو في المجلد، وطاردوا الملك دينقا جنوبا، وجدوا أن المنطقة جنوبا حتي بحر العرب خالية ،لا يسكنها أحد فجعلوها المصيف لهم ولماشيتهم كل عام ، وقد توفي زعيم المسيرية على أبو قرون الملقب ( أبو نفيسة) وتم دفنه في المكان المسمي بإسمه حوالي50 كيلومترا جنوب نهر بحر العرب، ويقول ب. هاول في مذكرات حول دينكا نقوك في غرب كردفان أن التاريخ الشفاهي لهذه القبيلة يفيد بسكناهم في جزيرة الزراف، التي تبعد كثيرا عن بحر العرب، وأن النوير غزوا الجزيرة في القرن التاسع، فأضطروا للنزوح عنها ، كان المسيرية قد عاشوا في أبيي لأكثر من مائة عام، وعندما تم طرد دينكا نقوك من أرضهم في جزيرة الزراف ، كان ذلك من مصلحة المسيرية فاوي المسيرية الدينكا ، الذين وصلوا الي المنطقة لاجئين ، واستعان المسيرية باخوانهم الدينكا في حماية قطعانهم من الماشية، والزراعة الموسمية ، واستمرت هذه العلاقة حتي ظهور الأمام المهدي 1881. كتب فرانسيس دينق ( أن جده أروب بيونق) جاء به المسيرية ليقابل المهدي، ويبايعه في كردفان، وأطلق المهدي سراح جنوبيين ،كانوا أخذوا أسري في الحروب والغارات وقتها ،ودعا بيونق بعد رجوعه زعماء جنوبيين اخريين لمبايعة المهدي لم تعجب هذه العلاقة الجيدة بين الشماليين واخوانهم الجنوبين، الاستعمار الانجليزي الذي كان يفرق بينهما ليسود هو، فطلب من الدينكا الرجوع الي أرضهم في الجنوب، وعندما رفضوا هددهم بقطعهم عن أهلهم وعزلهم ،وإضافتهم لمديرية كردفان ، لانهم يعيشون خارج حدود بحر الغزال ، ولكن دينكا نقوك فضلوا البقاء مع اخوانهم المسيرية ، على الرجوع لمهدهم في بحر الغزال، لما وجدوه من أمان وزيادة في الكسب ، فصدر القرار الإداري بضمهم كمجموعات قبلية، الي ادارة مديرية كردفان 1905 ، وقد وصلت العلاقة الطيبة بين المسيرية والدينكا، لدرجة القتال جنبا الي جنب ضد دينكا اخرين ، كان ذلك في عام 1948 ، حينما حاربوا لإيقاف تعدي دينكا توج ،على مراعي أبيي، حتى أطلق الدينكا في بحر الغزال، على دينكا نقوك أسم ( المسيرية الطوال) وهذا منقصة في العرف القبلي، كما يقول د/ القوني وحتي 1945 كان الدينكا يدفعون ضريبة الأفراد فقط، بينما يدفع المسيرية ضريبة الأفراد والمواشى ،وهذا أيضا دليل اخر على أن دينكا نقوك كانوا ضيوفا في أرض المسيرية، وذلك لأن كل الدينكا كانوا تحت إدارة مديرية بحر الغزال أو أعالي النيل ،وفي عام 1935 في إجتماع مجلس ريفي دار المسيرية الذي دعت الإدارة البريطانية له لأول مرة ،كتب مستر تبس المدير الإنجليزي ،وقتها أن المسيرية رفضوا إعتماد الدينكا في المجلس، لأنهم جزء من قوقريال في مديرية بحر الغزال، ولا أرض لهم في دار المسيرية، ولولا الصداقة الشخصية بين الناظر بابو نمر، والناظر دينج مجوك، لما تم قبولهم في المجلس ، وفي صيف 1965 هجمت الأنانيا وبعض جنودها من دينكا نقوك على المسيرية، في بحر العرب وثأر المسيرية من الدينكا ،وقتلوهم في بابنوسة ،وتم التنادي أثر ذلك الي مؤتمر للصلح ، قال الناظر بابو نمر :في المؤتمر أن دينكا نقوك أخواننا وأشقاء يعيشون معنا بسلام في أرضنا ، ثم ذكر أن والده هو الذي سمح لدينكا نقوك في عام 1939 أن يعبروا نهر العرب شمالا، ليستقروا في الرقبة الزرقاء ، بعد أن كثرت عليهم هجمات دينكا توج ، وقد أكد فرانسيس دينق هذه الشهادة ، عندما قال : أنه تحدث لأحد زعماء دينكا نقوك في عام 1947، الذي أبلغه أن المؤتمر كلف الناظر منعم منصور يبحث مشكلة أن الدينكا، ليس لهم أرض شمال بحر العرب. تري ماهي المستندات الرسمية التي بيد كل طرف؟ ( السودان وجنوب السودان، في اية مباحثات مرتقبة بينهما لطى هذا الصراع؟ نشير فقط هنا الي أن دستور كل دولة يقول بسيادة الدولة على أبيي ، وحسب مقررات محكمة التحكيم الدولية في لاهاي بشأن أبيي والتي قالت : بضرورة إجراء استفتاء لسكان المنطقة من قبائل دينكا نقوك وغيرهم من السكان الاخرين، وعلى رأس السكان الاخرين بالطبع المسيرية غير أن الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب لا تري أن للمسيرية حقا بالمشاركة في الاستفتاء المرتقب ، والمؤتمر الحاكم في السودان ،هو الاخر يشدد على ضرورة اجراء الاستفتاء بمشاركة أفراد القبيلتين( المسيرية ودينكا نقوك) وواضح ان كل طرف متمسك برؤيته ، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة، إن لجأ أي طرف الي إشعال عود ثقاب مما يعيدنا جميعا الي نقطة الصفر والمؤمل أن يلعب الإتحاد الأفريقي دور الوسيط النزيه في حل هذه القضية بالذات دون غيرها من القضايا العالقة ) *كيف أصبحت؟ سئل الإمام –رحمه الله- يوما كيف أصبحت؟ فرد الإمام بعد ما دقق النظر في سائله: كيف يصبح من يطلبه ثمانية؟ 1/ الله تعالى بالقرآن 2/ والرسول بالسنة 3/ والحفظة بما ينطق 4/ والشيطان بالمعاصي 5/ والدهر بصروفه 6/ والنفس بشهواتها 7/ والعيال بالقوت 8/ وملك الموت يقبض *علامات الساعة: سأل الأستاذ تلاميذه ما علامات الساعة ؟ فأجاب أكثرهم نجابة ، علامتها يا أستاذ عقارب سامة ، وأفاع تنغص علينا حياتنا كل يوم ، ترى كم من علامات الساعة الصغري حدثت حتي الان ؟ الشاطر يحصيها.

أحكموا فوهة بركان أبيي



أحكموا فوهة بركان أبيي بقلم: سليم عثمان ختم زميلنا الدكتور عبد اللطيف البوني مقاله الاسبوع الفائت والمنشور في( سودانايل) بقوله : على الحكومة أن تقول أن: ابيي سودانية يسكنها شعب سوداني مسيرية أو حتى دينكا او غيرهم بالتالي حمايتها مسؤلية حكومة السودان، وشعب السودان كله، وفي سياق تعقيبه على سحب مقال له من قبل إدارة سودانايل ، بعنوان (لا يبلغ العبد التقى حتى يستوي عنده المادح والذام ) قال الزميل أيويل لاز كون من جوبا ، أنه يقول بجنوبية أببيي ، و عتب الزميل أيويل على إدارة سودانايل كثيرا لسحب مقال له بعنوان (الغدر والخيانة من صلح الحديبية إلى آبيي الجنوسودانية) وللأسف الشديد لم يتسن لي قراءة ذلك المقال، وبالتالي لا يحق على التعليق عليه ،لكني أشكر( لسودانايل ) حرصها على استكتاب كتاب من دول أخري سواء كانت مصر أو غيرها أما أستكتاب كتاب من دولة الجنوب فهو مما يجعل شعرة معاوية موصولة بين شعبي الدولتين ،عسي الله يوحدهما يوما ما ، لكني بدوري أسأل الزميل أيويل،هل تسمح الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان بأن يكتب كتاب شماليون في صحف جوبا ؟ويقولون مثلا بتبعية أبيي للشمال؟ لا أظن وإن حدث مثل هذا الأمر فأنا أضمن بتوحد شطري السودان قريبا جدا ، ربما بمجرد زوال الحزبين الحاكمين هنا وهناك. وعودة الي ما ختم به الزميل د/البوني مقاله ذاك أقول أنه بتقديري ليس هناك سوداني واحد يمكن أن يقول بجنوبية أبيي، نعم قد لا يكون للعامة من أهل السودان وثائق تثبت ملكية تلك البقعة العزيزة للسودان ، ولكنهم من فرط تمسكهم بكامل التراب السوداني ،سوف يتفقون مع د/ البوني فيما ذهب اليه، وهو أستاذ علوم سياسية ، وكاتب لا يشق له غبار، وقد يدفعون الحكومة الى إعلانها صريحة ثم الدعوة الي القتال من أجلها، حتي اخر رجل، واخر قطرة دم ، و أيضا من حق الزميل أيويل أن يري في أبيي ما يرى، و نحن نقول أن نتحاور حول الأمور المختلف عليها كدولتين أمر لا غبار عليه، أما التهديد باللجوء الي إستخدام القوة فهو المرفوض ، لذلك نحن دائما من دعاة الحوار والتفاوض والحلول السلمية في كافة القضايا العالقة ،سيما قضية أبيي ،ومع إدانتنا الشديدة لمقتل سلطان دينكا نقوك مؤخرا ، الا أننا نرفض إستغلال الحادث لإختطاف هذه القضية ،وأخراجها من مسارها الطبيعي، فالسودان عبر قنواته الرسمية أدان الحادث بشده ،بل ووعدت السلطات بالتحقيق الشفاف فيه وصولا لتقديم الجناة للعدالة ، لكن كل من يعرف جغرافية المنطقة ، ويدرك حجم التوتر فيها، يمكن أن يتصور وقوع حادث جلل وصادم ، مثل الذي حدث للسلطان كوال دينق ماجوك، فمن قاموا بالحادث قطعا لا يهمهم السلام الهش في المنطقة، ولا يهمهم أستقرارها ، كما أننا بذات القدر نستغرب من زعيم سياسي وأجتماعي كبير كالراحل كوال، أن يتوغل عدة كليومترات في منطقة يدعي كل طرف سيادته عليها، لأن في ذلك إستفزازا كبيرا للطرف الاخر ، ومثل ذلك التحرك كان يمكن أن يكون طبيعيا، في ظروف طبيعية ،وكان يمكن أن يكون طبيعيا ، ومقبولا لأناس عاديين، من سكان المنطقة ،سواء كانوا من دينكا نقوك أو المسيرية، أما أن يجي ذلك التحرك من رجل في قامة السلطان الراحل ومكانته، ومع استصطحابنا لحسن النوايا عند الراحل، ولمن كانوا في معيته، الا أن تحركهم كان غير مقبولا، لذلك من غير المعقول أن تحمل دولة الجنوب مسؤولية مقتله كاملة لحكومة السودان، وتتجاهل ما قيل أنه طرف ثالث لديه مصلحة مؤكدة في تأجيج الصراع حول بؤرة أبيي الملتهبة أصلا، ومعلوم أن القوات المسلحة لا تشرف على تلك المنطقة ،ولا وجود للشرطة السودانية فيها ، بل قوات حفظ السلام الأثيوبية في المنطقة والمعروفة (باليونسيفا ) هي من تتولي مسؤولية السلام والأمن هناك ، الطرفان السودان وجنوب السودان، أرتضيا وجود تلك القوات على تلك الأرض ، عوضا عن أية قوات أممية أخري في المنطقة ، وبالتالي تلك القوات هي المسؤولة الأولى عن كل صغير وكبير فيها، لذلك لا بأس ان تضم لجنة التحقيق ممثلين لحكومتي البلدين وتلك القوات للوصول الى الحقيقية المجردة دون تسييس ، ودون استغلال بشع للحادث خدمة لأغراض غير حميدة. والإتحاد الأفريقي الذي يرعي المفاوضات ،بين حكومتي البلدين، في أديس أبابا ،لا ينبغي له أن يظهر مزيدا من الإنحياز للطرف الجنوبي، في تلك المفاوضات سيما في قضية أبيي، لأنه إن فعل ،فهو يصب مزيدا من الزيت ،على نار مشتعلة أصلا، أتصور أن قادة قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك ، لديهم من الحكمة والعقلانية ما يجعلهم يقدمون الكثير من الإلهام ، والمقترحات البناءة لطي هذه المشكلة، أما دخول أطراف متشددة توصف بالصقور في هذا المعسكر أو ذاك، فمن شأنه أن يسرع من وتيرة أشتعال النيران التي سوف تقضي على أخضر ويابس البلدين الجارين، وليت حكومتي البلدين تعملان بمقترحات الأمام الصادق المهدي، بتشكيل مفوضية حكماء وما أكثرهم في الجانبين، لإجتراح حل يرضي طرفي الصراع ( المسيرية ودينكا أنقوك) أبيي مهما بدت أستراتيجية ومهمة للطرفين، ومهما قيل أنها تسبح فوق بحيرة نفط أو حتي محيط كامل ، تظل مجرد أرض لا ينبغي بحال من الأحوال أن تذهب بسببها أرواح إضافية بريئة هنا وهناك . حسب علمي لم يمت أناس كثر بين المسيرية ودينكا نقوك طوال تعايشهم مع بعضهم بل معظم القتلي سقطوا في مواجهات مباشرة بين الحركة الشعبية وقواتنا المسلحة. المسيرية والدينكا تعايشوا في أبيي لأكثر من مائتي عام ، في وئام ومحبة ويقول د/ عبد الكريم القوني ،أحد المختصين في شئون المنطقة، في ورقة له قدمها في ندوة نظمها مركز الجزيرة للدراسات مؤخرا بالدوحة ، بعنوان( دولتا السودان .. فرص ومخاطر ما بعد الإنفصال.. منطقة أبيي كنموذج للنزاع بين الدولتين) أن قبيلة المسيرية جاءت الى أرض خلاء ، لا تسكنها الإ الضواري، فسكنت فيها ،ثم ساكنتهم فيها قبيلة الدينكا ، وبعد ثلثمائة عام قالت، السياسة للقبيلة الأفريقية العربية ،هذه الأرض للقبيلة الأفريقية فأخرجوا منها، ويضيف : لو قبل العالم بهذا المبدأ لترك الأوربيون أمريكا للهنود الحمر، ولتم طرد الأفريكانز من جنوب أفريقيا، والقائمة ستمتد ، ويري أن الحركة الشعبية ومن يقفون خلفها ، يعملون على حرمان المسيرية ،من حقوقهم في ملكية الأرض ، وحتي من حقوق الرعي التي كفلتها الإتفاقيات الموقعة ، مما جعل قبيلة المسيرية تقاتل من أجل وجودها في أبيي . أبيي هي أم المعضلات العالقة بين دولتي السودان ، أخطر من النفط ومن الحدود المختلف عليها ، رغم أنها في الحقيقة ليست سوى قرية صغيرة لا يتعدي سكانها حوالي عشرة الاف، وحوالي ثلاثين الف في ريفها ، يعيش أهلها على الزراعة والرعي ، المنطقة تحاد ولايتي بحر الغزال وأعالي النيل ، أكثر دينكا نقوك يقيمون في المنطقة طوال العام ،وتقيم بها قبيلة المسيرية بين أكتوبر ومايو من كل عام حيث يتحركون بمواشيهم ، التي تتجاوز 5 مليون رأس ، غير أن عددا من أفراد قبيلة المسيرية مقيمة بشكل دائم في أبيي ، وحولها ، دينكا نقوك ثقافيا ولغويا كما يرى د/ القوني قبائل من جنوب السودان، توجد في كل من ولايتي بحر الغزال وأعالي النيل ،بينما المسيرية قبائل أفريقية ذات جذور عربية ، نصف المسيرية يقيمون في أبيي ،ونصفهم الاخر يرحل مع الكلأ أينما نبت ، وفي إحدي السنوات حينما منعت الحركة الشعبية المسيرية من التوغل في أراضي الجنوب، نفقت الالاف من مواشيهم جوعا وعطشا ،ورحلات رعيهم مستمرة منذ أكثر من 300 عاما ، وفي المنطقة نفط ، وهو ربما ما يجعل كل دولة تستميت في ملكية المنطقة اليها ، وقد إستمر القتال بين القوات المسلحة والحركة الشعبية خلال العقدين الماضيين لكننا لا نتمني أن يندلع القتال في المنطقة لأي سبب من الأسباب وأستغلال الحوادث صغيرها وكبيرها من قبل هذا الطرف أو ذاك هو الخطر المحدق والمحتم الذي ينبغي عدم السماح لأي طرف بالإتكاء عليه . يقول تاريخ المسيرية الشفاهي أنه عندما هزم المسيرية الاجو في المجلد، وطاردوا الملك دينقا جنوبا، وجدوا أن المنطقة جنوبا حتي بحر العرب خالية ،لا يسكنها أحد فجعلوها المصيف لهم ولماشيتهم كل عام ، وقد توفي زعيم المسيرية على أبو قرون الملقب ( أبو نفيسة) وتم دفنه في المكان المسمي بإسمه حوالي50 كيلومترا جنوب نهر بحر العرب، ويقول ب. هاول في مذكرات حول دينكا نقوك في غرب كردفان أن التاريخ الشفاهي لهذه القبيلة يفيد بسكناهم في جزيرة الزراف، التي تبعد كثيرا عن بحر العرب، وأن النوير غزوا الجزيرة في القرن التاسع، فأضطروا للنزوح عنها ، كان المسيرية قد عاشوا في أبيي لأكثر من مائة عام، وعندما تم طرد دينكا نقوك من أرضهم في جزيرة الزراف ، كان ذلك من مصلحة المسيرية فاوي المسيرية الدينكا ، الذين وصلوا الي المنطقة لاجئين ، واستعان المسيرية باخوانهم الدينكا في حماية قطعانهم من الماشية، والزراعة الموسمية ، واستمرت هذه العلاقة حتي ظهور الأمام المهدي 1881. كتب فرانسيس دينق ( أن جده أروب بيونق) جاء به المسيرية ليقابل المهدي، ويبايعه في كردفان، وأطلق المهدي سراح جنوبيين ،كانوا أخذوا أسري في الحروب والغارات وقتها ،ودعا بيونق بعد رجوعه زعماء جنوبيين اخريين لمبايعة المهدي لم تعجب هذه العلاقة الجيدة بين الشماليين واخوانهم الجنوبين، الاستعمار الانجليزي الذي كان يفرق بينهما ليسود هو، فطلب من الدينكا الرجوع الي أرضهم في الجنوب، وعندما رفضوا هددهم بقطعهم عن أهلهم وعزلهم ،وإضافتهم لمديرية كردفان ، لانهم يعيشون خارج حدود بحر الغزال ، ولكن دينكا نقوك فضلوا البقاء مع اخوانهم المسيرية ، على الرجوع لمهدهم في بحر الغزال، لما وجدوه من أمان وزيادة في الكسب ، فصدر القرار الإداري بضمهم كمجموعات قبلية، الي ادارة مديرية كردفان 1905 ، وقد وصلت العلاقة الطيبة بين المسيرية والدينكا، لدرجة القتال جنبا الي جنب ضد دينكا اخرين ، كان ذلك في عام 1948 ، حينما حاربوا لإيقاف تعدي دينكا توج ،على مراعي أبيي، حتى أطلق الدينكا في بحر الغزال، على دينكا نقوك أسم ( المسيرية الطوال) وهذا منقصة في العرف القبلي، كما يقول د/ القوني وحتي 1945 كان الدينكا يدفعون ضريبة الأفراد فقط، بينما يدفع المسيرية ضريبة الأفراد والمواشى ،وهذا أيضا دليل اخر على أن دينكا نقوك كانوا ضيوفا في أرض المسيرية، وذلك لأن كل الدينكا كانوا تحت إدارة مديرية بحر الغزال أو أعالي النيل ،وفي عام 1935 في إجتماع مجلس ريفي دار المسيرية الذي دعت الإدارة البريطانية له لأول مرة ،كتب مستر تبس المدير الإنجليزي ،وقتها أن المسيرية رفضوا إعتماد الدينكا في المجلس، لأنهم جزء من قوقريال في مديرية بحر الغزال، ولا أرض لهم في دار المسيرية، ولولا الصداقة الشخصية بين الناظر بابو نمر، والناظر دينج مجوك، لما تم قبولهم في المجلس ، وفي صيف 1965 هجمت الأنانيا وبعض جنودها من دينكا نقوك على المسيرية، في بحر العرب وثأر المسيرية من الدينكا ،وقتلوهم في بابنوسة ،وتم التنادي أثر ذلك الي مؤتمر للصلح ، قال الناظر بابو نمر :في المؤتمر أن دينكا نقوك أخواننا وأشقاء يعيشون معنا بسلام في أرضنا ، ثم ذكر أن والده هو الذي سمح لدينكا نقوك في عام 1939 أن يعبروا نهر العرب شمالا، ليستقروا في الرقبة الزرقاء ، بعد أن كثرت عليهم هجمات دينكا توج ، وقد أكد فرانسيس دينق هذه الشهادة ، عندما قال : أنه تحدث لأحد زعماء دينكا نقوك في عام 1947، الذي أبلغه أن المؤتمر كلف الناظر منعم منصور يبحث مشكلة أن الدينكا، ليس لهم أرض شمال بحر العرب. تري ماهي المستندات الرسمية التي بيد كل طرف؟ ( السودان وجنوب السودان، في اية مباحثات مرتقبة بينهما لطى هذا الصراع؟ نشير فقط هنا الي أن دستور كل دولة يقول بسيادة الدولة على أبيي ، وحسب مقررات محكمة التحكيم الدولية في لاهاي بشأن أبيي والتي قالت : بضرورة إجراء استفتاء لسكان المنطقة من قبائل دينكا نقوك وغيرهم من السكان الاخرين، وعلى رأس السكان الاخرين بالطبع المسيرية غير أن الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب لا تري أن للمسيرية حقا بالمشاركة في الاستفتاء المرتقب ، والمؤتمر الحاكم في السودان ،هو الاخر يشدد على ضرورة اجراء الاستفتاء بمشاركة أفراد القبيلتين( المسيرية ودينكا نقوك) وواضح ان كل طرف متمسك برؤيته ، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة، إن لجأ أي طرف الي إشعال عود ثقاب مما يعيدنا جميعا الي نقطة الصفر والمؤمل أن يلعب الإتحاد الأفريقي دور الوسيط النزيه في حل هذه القضية بالذات دون غيرها من القضايا العالقة ) *كيف أصبحت؟ سئل الإمام –رحمه الله- يوما كيف أصبحت؟ فرد الإمام بعد ما دقق النظر في سائله: كيف يصبح من يطلبه ثمانية؟ 1/ الله تعالى بالقرآن 2/ والرسول بالسنة 3/ والحفظة بما ينطق 4/ والشيطان بالمعاصي 5/ والدهر بصروفه 6/ والنفس بشهواتها 7/ والعيال بالقوت 8/ وملك الموت يقبض *علامات الساعة: سأل الأستاذ تلاميذه ما علامات الساعة ؟ فأجاب أكثرهم نجابة ، علامتها يا أستاذ عقارب سامة ، وأفاع تنغص علينا حياتنا كل يوم ، ترى كم من علامات الساعة الصغري حدثت حتي الان ؟ الشاطر يحصيها.

كل شيء ما خلا الله باطل .ون