الأحد، 14 أغسطس 2011

ماذا عند الصادق المهدي ولا يملكه البشير؟ :



ماذا عند الصادق المهدي ولا يملكه البشير؟ :

سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر :

في مستهل حملته الانتخابية , أتاحت قناة الجزيرة ومن خلال برنامج ( بلا حدود ) , الذي يقدمه الأستاذ أحمد منصور , فرصة نادرة للإمام احمد الصادق المهدي , أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية , في مواجهة الرئيس عمر البشير و آخرين والمهدي هو آخر رئيس وزراء منتخب , ورغم محاصرة السيد أحمد منصور لضيفه , بأسئلة كثيرة جعل الأمام ينبه بأن لا يقفز , حتى يكمل فكرته في الإجابة , ولأني استمعت لجانب كبير من تلك الحصة , من خلال راديو السيارة حتى وصولي الى البيت , ومشاهدتي للإمام الصادق يجلس على كرسي الضيف في برنامج بلا حدود , لمدة لا تزيد عن خمس دقائق , وبالتالي ربما تكون وقفاتي حول ما قال السيد الإمام , في تلك المقابلة غير دقيقة , واستيعابي لما قاله ليس بالصورة المطلوبة , لكن الأمر الذي استوقفني أكثر من غيره فيها , هو أنه أكد أنه ليس الصادق قبيل استيلاء البشير على السلطة قبل عشرين عاما , ولا حزبه هو نفس ذلك الحزب الذي فاز ب (99 مقعدا) , في آخر انتخابات ديمقراطية جرت صيف 1989 , وأضاف المهدي أنه عندما يفوز بالرئاسة , سوف يعمل على حل مشكلة دارفور , وسيعمل فيما تبقى من وقت من أجل وحدة جاذبة , فشل فيها الشريكان وفي أسوا الفروض سيعمل على جوار جاذب , في حال انفصال الجنوب عن الشمال , وربما سيعمل من أجل صيغة كونفدرالية تجنب الدولتين حروبا محتملة .

ورفض السيد الإمام الصادق المهدي , اتهامات المذيع احمد منصور له بالفشل , خلال فترتين ديمقراطيتين شغل فيهما رئاسة الوزارة في السودان , وعندما حاصره بالأسئلة حول عدم توفير رغد العيش للمواطنين , خلال آخر فترة ديمقراطية، وان البلاد شهدت خلال فترة حكمه مجاعات وطوابير طويلة للحاجيات اليومية , أوضح السيد الإمام أن حكومته تركت احتياطي كبير من محصول الذرة يقدر بأكثر من خمسة عشرة مليون جوال من الذرة ,( ولا ندري ما هو حجم احتياطي السودان ومخزونه الاستراتيجي من الذرة والقمح الآن ؟) وأضاف المهدي : انه لم تكن هناك مجاعات في دارفور بل فجوات غذائية طبيعية .

وبلغه سودانية فصيحة محبته وأحيانا عربية فصحى ,و كعادته راح الصادق المهدي يطالب بمناظرة بيته وكافة مرشحي الرئاسة , وفي مقدمتهم الرئيس البشير , حتى يتسنى له عرض بضاعته فى سوق الانتخابات ، وكان الصادق المهدي دبلوماسيا كعادته في الحديث عن مطالبة محكمة الجنايات الدولية للبشير للمثول أمامها , فأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لن يقوم بتسليم الرئيس البشير، في حال فوزه في الانتخابات المرتقبة في ابريل القادم , مشيرا الى أن السلام والأمن مقدمان على العدالة، لذلك طالب بمحكمة هجين , وبدا السيد الصادق المهدي واثقا من فوزه على البشير , حال جرت الانتخابات في أجواء من الشفافية والنزاهة , وقال أنهم سلموا مفوضية الانتخابات رؤيتهم في كيف تجري الانتخابات في أجواء صحية.
وكان قد تردد في منتديات الخرطوم , أن السيد الإمام الصادق المهدي قد يرشح كريمته الدكتورة مريم الصادق , إحدى أبرز وجوه حزبه , غير أن الصادق المهدي في سياق إجابته عن السبب وراء ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة السودانية , ذكر أسماء ثلاثة من قيادات حزب الأمة، ليس من بينها اسم كريمته مريم , مما ينفي ما يشيعه البعض عن حزت الأمة، بأنه ليس سوى شركة سياسته عائلية محدودة , ويركز السيد الصادق المهدي بذكاء شديد يحسد عليه، أن حزب المؤتمر الوطني لجأ الى البيوتات الطائفية والطرق الصوفية والقوى التقليدية , بعد أن كان يدعى في السابق أنه ينأى بنفسه عنها , ويراهن على القوى الحية والحديثة في المجتمع , ومعلوم أن حزب الجبهة الإسلامية القومية بقيادة الدكتور حسن الترابي , كان قد حصل في آخر انتخابات ديمقراطية على (53 مقعدا ), في الجمعية التأسي منهم( 28 نائبا )فازوا عن دوائر الخريجين . فيما فاز الحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة مولانا محمد عثمان الميرغني ب 63( مقعدا) في تلك الانتخابات .
المذيع أحمد منصور في تلك المقابلة سأل السيد الصادق عما يملكه هو من رؤى وبرامج لحل مشاكل السودان ولا يملكها البشير أو حزب المؤتمر الوطني , فأوضح بجلاء أن لديه رؤية ثاقبة لتعزيز السلام فى الجنوب وجلب الأمن والسلام فى دارفور وإنعاش الاقتصاد الوطني وإقامة علاقات خارجية جيدة , وعندما سأله أحمد منصور عن الضمانات التى يقدمها للإيفاء بتلك الالتزامات , قال المهدي في السياسة ليس هناك ضمانات , إنما الضمانات في التجارة، فقاطعه احمد منصور ضاحكا : حتى التجارة ليس فيها ضمانات ..
التحديات التي تواجه مرشحي الرئاسة فى السودان ثلاثة تحديات رئيسة : هي الوحدة في مواجهة الانفصال، قبل أن يحين موعد استفتاء الإخوة الجنوبيين في التاسع من يناير 2011 , والتحدي الثاني هو: الديمقراطية في مواجهة الشمولية , من خلال انتخاب القوى الأميين ليس لرئاسة الجمهورية فحسب , بل في كافة الدوائر الجغرافية وحتى المستويات الدنيا، والتحدي الثالث الذي يواجه كل المرشحين الذين بلغ عددهم ثلاثة عشر سياسيا لرئاسة الجمهورية , هو التنمية في مواجهة الفقر، فالجماهير جربت حكومات الصادق المهدي وقتا قصيرا قبل أن ينقض العسكر على حكومته المنتخبة , وجربت الإنقاذ والمؤتمر الوطني لعقدين من الزمان , ولا تزال تجرب حكم الإنقاذ والمؤتمر الوطني , وبالتالي فان هذه الجماهير عندما تتوجه صوب صناديق الاقتراع هذه المرة سيكون لديها عدة خيارات للاختبار , ومما لاشك فيه فان كل شي متوقع في تلك الانتخابات , لكن المشهد لن يخلو بأي حال من الأحوال من بعض المفاجآت والى صورة فيها كثير من التوازن بين القوى التقليدية , لكن لن يكتسح أي من الأحزاب التقليدية بما فيها المؤتمر الوطني الذي أصبح حزب وسط ،بعد أن كان حزب يمين متشدد , ولن تكون الغلبة لأحد الأحزاب الكبيرة , لكن الجديد هذه المرة يتمثل فى أن الحركة الشعبية سوف ترفد البرلمان بعدد من النواب من الولايات الجنوبية , لكنها حتما سوف تفشل بالفوز بمقاعد تذكر فى الدوائر الشمالية , والسبب في ذلك يعود الى أنها خلال سنوات الانتقال لم تقنع المواطن الشمالي بجديتها في الوحدة أو التحول الديمقراطي , ومن الغريب إلا يزور النائب الأول لرئيس الجمهورية السيد سلفاكير ميارديت أي مدينة شمالية، طوال كل هذه السنوات بل استعصم بعاصمة دولته المرتقبة جوبا .
والمأمول أن لا تحدث فوضى في عمليات الترشح لدى الأحزاب الكبيرة , من شاكلة تلك التي شاهدناها في انتخابات 1986 حيث كان أكثر من خمسة أشخاص يرشحون أنفسهم من الحزب الاتحادي الديمقراطي في بعض الدوائر الجغرافية في إطار منافسه محمومة , وعدم انضباط تنظيمي، والمأمول أن الحزب الاتحادي الديمقراطي ومولانا الميرغني ومرشح الحزب للرئاسة حاتم السر , سوف ينتبهون لهذه القضايا التي من شأنها أن تضر ضررا بليغا بموقف الحزب في هذه الانتخابات , لكن ربما يتم نوع من التنسيق بين الحزب الاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الوطني في هذه الانتخابات , تحفظ لكل حزب نصيبا متفقا عليه في الدوائر الجغرافية وغيرها .
فإذا كان كل مرشح في الانتخابات السابقة قد منح خمسة عشر دقيقة في الإذاعة والتلفزيون , دون تفرقه بين حزب آخر لعرض رؤيته وبرنامجه الانتخابي فى آخر انتخابات شهدتها البلاد ، فان المأمول ومع هذا العدد كبير من المرشحين أن تمنح المفوضية القومية للانتخابات ، لكافة المرشحين الوقت المطلوب , حتى يتمكن هؤلاء المرشحون من تقديم أنفسهم للناخبين بصورة مرضية .
في التلفزيون والإذاعة القوميين وفي التلفزيونات والإذاعات الولائية والمزيد من الحريات , كما أشار السيد الصادق المهدي من شأنه أن يجعل انتخابات السودان أفضل بكثير من تلك الانتخابات , التي جرت في بلدان عربية و افريقية وغيرها .
ولعل فكرة الدولة الكونفدرالية التي أوضح السيد الصادق المهدي أنه سوف يعمل على تحقيقها حال فوزه بالرئاسة , رغم أنها ليست موجودة في اتفاق نيفاشا , الذى نص على وحدة جاذبة أو انفصال، إلا أنها تبدو فكرة مثيرة وجديرة بمنحها ما تستحق من اهتمام.
كما أن فكرة قمة تجمع ثمانية من أنصار الحكومة ومثلهم من المعارضة , من شأنها أن تعالج كثير من القضايا الخلافية قبل انطلاق قطار الانتخابات , ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يتلاعب السياسيون بمصائر مواطنهم بعد (54 عاما ) من الاستقلال , بل ينبغي إظهار النضج السياسي والفكري في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به بلادنا .
أفراح أفراح :
تجدني كثيرا أشاهد قناة النيل الأزرق ،لخفة دمها وحلاوة الفراشات التى تحلق داخل استديوهاتها ولكم يسوؤني أنها من نوع واحد لا أدري لماذا لا يريد صديقنا الصدوق حسن فضل المولي اللون( الخداري) من تلك الفراشات ويجعلنا دائما نبحلق( بعيواتنا) فى لون المنقة وفى( التؤائم ) ليته يغرب ويشرق ويصطاد من سواد بلدنا فراشات تعطي للقناة مذاقا مثل ماء النيل فى موسم الدميرة ،وفى الحلقة الأخيرة من برنامج أفراح أفراح ساءنى (مرجحة التؤام الجميل مقدمتي البرنامج ) ويؤسفنى جهلي لاسميهما فوق الكراسي وهى على أيه حال عادة سودانية أصيلة لا يتركها حتى الساسة والفنانون ورجال الأعمال ،وربما تعود الى أن طفولة معظمنا كانت بائسة ولم نجد مراجيح( نتمرجح )عليها فما أن نجلس على كرسي دوار أو هزاز إلا ووجدتنا( نتمرحج) فوقه يمنة ويسرة ،لنجعل الكاميرا تلاحق وجوهنا ،هذه عادة ليست حلوة سيما مع فراشات تجيد التحليق بالكلمة الرصينة مثل فراشات أخونا أبو على ،وبمناسبة قناة النيل الأزرق شاهدت حلقتين عما قيل أنها مخصصة حول الخيانة الزوجية لم أستغرب جرأة الفكرة فى بلد التوجه الحضاري لكنني للأسف الشديد لسوء وضعف استيعابي لم أخرج منهما بفائدة لأن اللغة المبتذلة والهابطة لمقدمة البرنامج التى (دلقت )كما لابأس به من على وجهها وعلى عينيها الجميلتين جعلتني أتوه بعيدا عن أجواء الحلقة فليعذرني صاحب الكتيب الرائع (هذا الشئ ) إذ لا يعقل أن تذكر اسم السرير بدلا من الفراش أو العلاقة الحميمة أو غيرها من الكتابة وهذا نموذج واحد ليس إلا ولأن الهدف هو التقويم لا الهدم ولأننا نقدر تماما أن ربان المحطة مشغول بهموم كبار ولمبلغ علمنا أن زميلنا الرائع محمد عكاشة من أسرة المحطة وذلك البرنامج تحديدا فإننا نربأ بالجميع أن يقدموا صورة مشوهة لمجتمعنا حيث لا يعقل أن نتحدث عن قضايا حساسة كهذه دون أن نحيط بدراسات تجريها جهات مختصة ولا حتى تقديم أرقام محددة حول مثل تلك الظواهر الأمر الذى يجعل كل مشاهد يحس أن كل زوج أتخذ خليلة له أو تزوج زواجا( مسيارا أو مطيارا أو بحارا الخ ) ضيوف الحلقتين معظمهم لم يكونوا من ذوى الأهلية للحديث بعلمية ومنهجية ومنطق سليم حول موضوع الحلقة وأحسب أن الإعداد والتقديم شابهما الكثير من النقص ولأن اللبيب من بالإشارة يفهم فأننا نأمل من القائمين على أمر القناة بذل المزيد من الجهد بهدف التجويد وليت صديقنا حسن يلتفت لشريط الرسائل على الشاشة ليرى ضحالة اللغة لشباب مراهق يرسل رسائل عجيبة كلها أخطاء إملائية دون تفريق بين الراء والدال والطاء والظاء الخ ،ولا ندري لماذا لا يرفع الآذان من خلالها أحيانا هي تبث من غير الخرطوم ، والطريقة التى يقدم بها برنامج أفراح أفراح لاتحتاح لمذيعين جهبذين يطاردان أمهات وآباء العرسان فى صالات الافراح مع زفات على الطريقة المصرية ثم تتمرجح مذيعتان على الكراسي داخل الاستديو ،ولسنا ضد أن يفرح الناس فى السودان ويرقصوا لكن أن ننقل كل لقطة ولو لم تكن تليق لفضاءات أخري فهذا ما ينبغي التوقف عنده مليا وقد نتفهم مسألة أن القناة ربما تجد موردا ماليا إعلانيا من مشاركتها للناس فى أفراحهم لكن ينبغي إفادة المشاهدين وإلا لا معنى للبرنامج ، ولا يقلل نقدنا لعدد محدود من برامج القناة من الإشادة ببرامج أخري كالتي يقدمها زميلنا الطاهر حسن التوم (مراجعات )والشيخ الكودة ونجوم الغد وبعد الطبع وغيرها من البرامج


عن المرأة:
يقول الرجل فى المرأة ما تريد ...لكن المرأة تفعل فيه ما تريد .
الشبه بين النساء والصحف أن كلاهما ينشر الأخبار حيث ذهب.
المرأة: نحلة تطعم الرجل عسلها شهرا واحدا لتعاقبه بالقرص طول العمر.
الطريقة الوحيدة التى تجعل المرأة تستمع إليك هي أن توجه الحديث الى إمراة أخرى.
لا توجد إلا إمراة واحدة شريرة فى العالم وكل زوج يظنها زوجته .
المرأة الفاضلة صندوق مجوهرات يكشف كل يوم عن جوهرة جديدة .
وراء كل عظيم إمراة خصوصا إذا كانت محفظته فى جيبه الخلفي .
آخر ما يموت فى الرجل قلبه .. وآخر ما يموت فى المرأة لسانه .
لا تطلب الفتاة من الدنيا إلا زواجا ،فإذا وجدته طلبت كل شئ .
لا تحزن إذا فاتك قطار الزواج فلأن يفوتك القطار خير من أن يدهسك
رب أنثى تتزوجها طلبا للاستقرار وأخرى تطلقها لنفس السبب
قلب المرأة كالعنبر لا يعرف طيبه إلا بعد إحراقه








قطر تسقط أمريك وتكسب تحدي رهان المونديال


قطر تسقط أمريك وتكسب تحدي رهان المونديال
بقلم :سليم عثمان أحمد
كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر
أسقطت دولة قطر الصغيرة، التي لا تتجاوز مساحتها الجغرافية ال11ألف كيلومترا مربع، أمريكا العظمي،وكسبت رهان و شرف استضافة مونديال كأس العالم لكرة القدم عام 2022،خلال تصويت جرئ لأعضاء اللجنة التنفيذية، للاتحاد الدولي لكرة القدم( الفيفا) الذين يحق لهم التصويت، والبالغ عددهم 22 عضوا جري في مدينة زيورخ السويسرية ،وكان من حسن الطالع أن الشخص الذي ترأس لجنة ملف قطر للمونديال ، وقدم عرضا مبهرا، بلغة فرنسية أنيقة،أمام أعضاء( الفيفا) ووفود الدول المختلفة ورجالات الصحافة، قبل ليلة واحدة من التصويت علي الملفات المترشحة، لاستضافة المونديال ، كان شابا قطريا ممتلئا حيوية مفعمة بالأمل،وهو في ذات الوقت، نجل أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وهو أيضا رئيس لجنة الملف القطري، الشيخ محمد بن حمد ال ثاني ويبلغ من العمر 22 عاما فقط،
وفي الوقت الذي كانت جموع هادرة، من المواطنين القطريين والجاليات العربية والأجنبية، المقيمة علي أرض قطر الطيبة الخيرة ،تستقبل وفد قطر العائد من زيورخ منتصرا في معركة شرسة،مع كل من أمريكا التي استضافت المونديال، عام 1994واليابان وكوريا الجنوبية، التي استضافتا نسخة عام 2002واستراليا التي لم تحظ من قبل بشرف الاستضافة،بالورود وأكاليل الزهور والدموع والإعلام العنابية والأهازيج ومواكب الفرح المجنح، في مطار الدوحة الدولي، وفي كل الشوارع والكورنيش وأكاديمية اسباير الرياضية ،وفي الوقت الذي استقل فيه وفد قطر العائد من زيورخ، برئاسة الشيخ محمد بن حمد والشيخة موزه بنت ناصر المسند(أم جاسم) حرم سمو الأمير، وأعضاء الوفد حافلة ضخمة مكشوفة، وجابوا شوارع الدوحة وسط ارتال من سيارات المواطنين، والمقيمين الذين شاركوا أهل قطر فرحتهم الكبيرة، باستضافة المونديال،وفي الوقت الذي أطلقت فيه آلاف السيارات العنان لأبواقها،كان الرئيس الأمريكي باراك اوباما يحط خلسة في احدي القواعد الأمريكية في أفغانستان،ليخاطب جنوده ، بعد أن فقد صوابه وأطلق تصريحا، لا ينم عن انه قائد للتغيير المرتجي في أمريكا والعالم، عندما قال ان أعضاء الفيفا اخطأوا، حينما قرروا إسناد استضافة مونديال 2022 لدولة قطر، مستبعدين بلاده العظمي (أمريكا) وما كان لرئيس دولة عظمي تدعو الآخرين دوما إلي احترام قواعد اللعبة الديمقراطية، في كل شئ أن يتفوه بتصريح مشين كهذا، اللهم إلا تحت تأثير الصدمة التي ألجمت السن الأمريكيين جميعا ولم يتفوهوا بكلمة ،بينما حاول رئيسهم المفجوع ان يقلل من فوز قطر علي بلاده وينتقص من قدرها وأقدار من ساندوا ملفها الرصين والبديع والمبهر في كل شئ، وفي الوقت الذي تحدث فيه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون مطولا، ومتجاوزا الزمن المحدد له في عرض ملف بلاده دون احترام لبرتوكول الفيفا ،كان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة وحرمه المصون الشيخة أم جاسم، وبعض أنجاله وأعضاء لجنة الملف، يجلسون في القاعة بكل تواضع،يستمعون إلي كلنتون وهو يتحدث عن نفسه وعن ابنته وليس عن محتويات ملف بلاده كان حوالي 14 عضوا من أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا قد انبهروا بالملف القطري،واقتنعوا تماما، انه يستحق أن يمنحوه أصواتهم الغالية، فيما لم يحصل الملف الأمريكي سوي علي 8 أصوات رغم خطبة كلينتون المطولة وتداخل اوباما نفسه بالأقمار الاصطناعية للترويج للملف الأمريكي.
لكن تعالوا نحاول في عجالة قراءة الأسباب والمبررات التي جعلت قطر هذه الدولة العربية الصغيرة، والتي هي شبه جزيرة ولا يتجاوز عدد سكانها مليوني نسمة أن تحظي بشرف استضافة نهائيات كأس العالم عام 2022، باسم العرب جميعا والشعوب المسلمة ودول العالم الثالث قاطبة بينما فشلت دول كبري مثل أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية واستراليا؟
لعل في مقدمة هذه الأسباب، يأتي اهتمام القيادة القطرية الحكيمة، والملهمة والعاشقة للرياضة عموما وكرة القدم علي وجه الخصوص، فهذه القيادة تعشق الرياضة بشكل كبير،ولا تدخر وسعا في دعم مسيرة العمل الرياضي، حتى غدت الدوحة بحق عاصمة للرياضة ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم قاطبة،فالذي يزور الدوحة يبهره كل شئ فيها، فشعبها شعب ودود، ومحب لكل الأجناس ،وشوارعها نظيفة،وربما كانت من أكثر مناطق العالم أمنا،وقد عايشت ذلك بنفسي، منذ أكثر من عشرة أعوام، من إقامتي فيها ،وفيها بني تحتية رائعة وفخمة، وعدد كبير من الفنادق من فئة 5و7 نجوم والكثير من المطاعم والأماكن الترفيهية، ولا تقل الدوحة بحال من الأحوال في تعاملها الثقافي والحضاري ،عن اكبر المدن العالمية لا تقل عن لندن وباريس وبون وغيرها من مدن العالم،كما تتمتع قطر بعدد كبير من والاستادات الجميلة ،غير أن القائمون علي أمر ملفها يعدون العالم كله بإنشاء أكثر من 12 إستادا منها ستة استادات جديدة بمواصفات عالمية سيكون كل واحد منها بمثابة تحفة معمارية تحكي عظمة التراث المعماري العربي والإسلامي ،فقد خصصت دولة قطر أكثر من خمسين مليار دولار لاستضافة المونديال في حين وعدت روسيا التي سوف تستضيف نسخة المونديال عام 2018 فقط عشرة مليارات دولار وهذا يؤكد أن ملف قطر كان بالفعل قويا ومدهشا ومبهرا للكل خاصة أعضاء الفيفا فالملف لم يوفر فقط الشروط الفنية للفيفا بل وعد بما هو أكثر من ذلك فكل المنشات التي سوف يتم تشييدها خلال الأحد عشرة عاما المقبلة، ستراعي فيها المحافظة علي البيئة من خلال استخدام مواد وتقنيات حديثة للغاية لا تضر بالبيئة ،فمعظم والاستادات سوف تضاء بالطاقة الشمسية، بل ستعمل أجهزة التبريد بذات التقنية، وقد تغلبت قطر علي عامل الطقس، الذي كان البعض يتخوف منه، مما يجعل حظوظ قطر ضعيفة في الظفر بشرف استضافة المونديال، حينما تضمن ملفها وعدا جريئا بان تكون كافة الملاعب التي سوف تقام عليها المباريات مكيفة، وان لا تتجاوز درجة الحرارة فيها 27 درجة وهي أجواء مثالية للغاية في فصل الصيف الذي ترتفع فيه درجات الحرارة الي أكثر من 50 درجة في الخليج، وهو ربما ما جعل قطر، ترصد كل هذه الأموال الضخمة لتشييد هذه البني الرياضية العملاقة.
حق لقطر أن تفوز بهذا الشرف العالمي، وحق لقيادتها وشعبها أن يفرحا كثيرا، بما تحقق من انجاز غير مسبوق ،فالانجاز كما قال سمو الأمير وولي عهده وكل القائمين علي أمر ملفها هو انجاز لكل العرب،بحسبان أنها المرة الأولي التي تحظي فيها دولة عربية وإسلامية بشرف استضافة المونديال في الشرق الأوسط ،منذ أن استضافت الارغواي النسخة الأولي من هذا العرس العالمي الكبير عام 1930،ولم يأت فوز قطر من فراغ، فقد خططت قطر منذ وقت طويل، وعمل أعضاء ملفها قرابة عامين دون كلل أو ملل، حتى تحقق الفوز، ودولة قطر لها رؤية عميقة وطويلة تمتد حتي عام 2030 تشمل تنمية وتطوير كافة مناحى الحياة في البلاد .
ومن حسن الصدف، أن الفيفا اسند استضافة مونديالي 2018 و2022 لأكبر دولتين لإنتاج الغاز المسال في العالم هما روسيا وقطر، والغاز من الطاقات النظيفة،ولعل من الأسباب الاخري التي ساهمت علي فوزالملف القطري ان قطر اليوم تتمتع بخبرة استثنائية في كامل المنطقة في استضافة المؤتمرات العالمية في شتي المجالات ،وقد استضافت بنجاح في شتاء 2006 دورة الألعاب الأسيوية وفي تلك الدورة لمع نجم الشيخ محمد بن حمد آل ثاني حينما بهر العالم كله بصعوده علي صهوة جواده لقمة إستاد خليفة الدولي فأوقد شعلة انطلاق تلك الفعاليات ،واستضافت قطر العديد من بطولات التنس العالمية ،ولا تزال تستضيف العديد من البطولات الرياضية وهي العاصمة العربية الوحيدة التي تزورها المنتخبات العالمية الكبرى كالبرازيل والأرجنتين وانجلترا،ويكفيها فخرا أن النجم العالمي الجزائري الأصل، الفرنسي الجنسية، زين الدين زيدان، كان ضمن سفراء ملف ترشحها للمونديال،كما يكفيها فخرا أن أكثر من مائة جنسية تتعايش علي أرضها، في سلام ووئام ،اما الحديث عن امتلاكها لسلسلة قنوات الجزيرة الإخبارية والوثائقية والعالمية والرياضية ،وقنوات الدوري والكأس الرياضية فليس بخاف علي أحد، ومواقفها الإنسانية في العالم مشهودة فهي من جمع الفرقاء اللبنانيين وأصلحت ذات بينهم، وكذلك مواقفها في اليمن مشهودة وفي السودان قامت دولة قطر وتقوم بادوار غاية في العظمة، فهي تحتضن الآن مفاوضات سلام دارفور التي نام لان تطوي ملف الحرب بنهاية هذا الشهر كما أعلن الرئيس البشير والوسطاء، وتعمل علي توفير القوت للسودانيين ،من خلال استثمارها في الزراعة، وفي المجال العقاري وغيره، تفعل كل ذلك دون من آو أو أذى ويقوم سفيرها في الخرطوم سعادة السيد علي بن حسن الحمادي، بدور كبير في مزيد من تعزيز علاقات البلدين الشقيقين .
التهنئة نسوقها حارة لإخواننا القطريين حكومة وشعبا، ولكل العرب والمسلمين من المحيط إلي الخليج،بهذا الفوز ، ولعلها فرصة طيبة لنا في السودان كما لكل إخواننا العرب في أن يزيدونا تشريفا بوصول اكبر عدد من منتخباتهم إلي مونديال 2022 فلو فعلت دولة قطر كل هذا الانجاز التاريخي ،غير المسبوق للعرب والمسلمين، وأثبتت بعزيمة وإرادة قيادتها وشعبها، أنها قادرة علي قهر المستحيل،وكما قال المتنبى:
فعلي قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
فلا اقل من أن نقتدي بها في كل شئ فهي حقا قدوة للعرب ومثال طيب يحتذي في التغيير الحقيقي الذي تقوده قطر بخطى ثابتة ومدروسة وبفكر خلاق وجرأة ومثابرة والهام
وأخيرا فغن دولة قطر بإذن الله كما وعد قادتها سوف تنظم أعظم مونديال في التاريخ وليس ذلك علي الله ببعيد .
يا رب:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة

فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن

فبمن يلوذ ويستجير المجرم

مالي إليك وسيلة إلا الرضا

وجميل عفوك ثم أني مسلم




بل الرقص وإطلاق اللحى يجتمعان !؟


بل الرقص وإطلاق اللحى يجتمعان !؟
بقلم :سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر
أثار الكتاب الذي أصدره مؤخرا الأخ الزميل المحبوب عبد السلام ،القيادي فى حزب المؤتمر الشعبي السوداني ، الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي ،بعنوان( دائرة الضوء -خيوط الظلام )والذي هو بمثابة تأملات شخصية للكاتب ، فى عشرية الإنقاذ الأولى ، أثار موجة من التعليقات والمقالات الصحفية من زملاء المهنة، وغيرهم من المهتمين بالشأن السياسي السوداني عامة ،والحركة الإسلامية السودانية ،على وجه الخصوص ،وكان أكثر ما أثارني مقال رصين من جملة ثلاث مقالات دبجها زميلنا الآخر مصطفى البطل المقيم فى أمريكا .حول الكتاب، نشرت الحلقة الأولى منه، بصحيفة الأحداث السودانية ،فى العاشر من فبراير الماضي ، طفقت أبحث عن هذا السفر فى مكتبات الدوحة، على أجد نسخة منه لأقتنيها، حتى يتسنى لي مقارعة البطل علي أصرعه ذات يوم، فأرميه بالقاضية ،سيما بعد أن عجز جهابذة اليراع ،عن مقارعته الحجة بالحجة، والدليل بالدليل ، فى مقالاته التى يزين بها الأحداث، لتتحدث عنه مجالس المدينة، وتسير بها الركبان ، فلم أفلح، ولعل الكتاب الذى صدر عن دار مدارك بالقاهرة، ضل طريقه لعواصم أخرى ،غير أن الحكمة الشعبية التى ختم بها الأستاذ البطل مقاله ذاك، حول فصول الكتاب والتي تقول : (الرقص وإطلاق اللحى لا يلتقيان ) فى سياق استنكاراته المتعددة على أسلوب زميلنا المحبوب فى كتابه، واصفا إياه ، بأنه يحاول إعادة تحرير وقائع العشرية الأولى للإنقاذ ،فوق ألواح جديدة ،باستخدام عمار جديد ،مشيرا الى أن المحبوب بفعله هذا، كأنما يحاول إعادة تسويق التاريخ المستند الى تراث (الشهيد ) حسن البنا، الكلمة بين القوسين من عندي وليس من عند البطل، وأردت تبيان ذلك حتى لا يتهمني بتحوير كلماته و(الشهيد) سيد قطب، وعبد الرحمن السندي ، بتدوين روايات جديدة ، ولعل الأستاذ البطل شديد الحساسية لكلمة شهيد ، أو مؤمن إيمانا لا يخالجه أدنى شك، أن البنا وقطب، لم يستشهدا ،وربما لديه تحفظات على فكرهما ونتاجهما السياسي ،لكن الذى جعلني أقف عند هذه الجزئية البسيطة ، وربما عفو الخاطر لم يكتب الكلمة أمام اسميهما ، وقال : إنه لم يلفت نظره كثيرا أن المحبوب ترحم على ثمانية وعشرين ضابطا أعدمتهم الإنقاذ، وأضعاف العدد من ضباط الصف، بعد محاولة انقلابية فاشلة ،حيث عبر المحبوب عن أسفه لفقدانهم، كونه إنسانا رفيعا ومسلما أصيلا ، كما وصفه البطل فى ذلك المقال ،فإذا شد انتباه البطل إسباغ المحبوب صفة (الشهداء )عليهم ، فنحن لا نختلف معه البتة بل فإن مآخذنا على البطل فى أن يورد اسمي البنا وقطب، دون إسباغ ذات الصفة عليهما، وهو أيضا مسلم رفيع أصيل ،حتى لو كان يحب أن لا يوقظه أحد من الناس لصلاة الصبح ؟ .
رأيت لأول مرة فى حياتي الأستاذ المحبوب عبد السلام ،قبيل انتخابات عام 1986 عندما زار مدينتنا دنقلا بالولاية الشمالية، فى معية كوكبة من أبرز رجالات الحركة الإسلامية ونسائها، يوم كانت موحدة ،تعنى بالتربية الروحية ،والأسر والصلات الطيبة، بين جميع أعضائها ،جاء المحبوب ممثلا لجريدة الراية لسان حال الجبهة الإسلامية القومية ،كانت تلك الكوكبة من قيادات الجبهة برئاسة الدكتور الترابي والشيخ المرحوم محمد محمد صادق الكاروري والشهيد القاضي أحمد محجوب حاج نور ،والمرحوم الجنوبي المسلم صاحب الابتسامة العذبة منقو أجاك ود/أحمد على الإمام ود/ سعاد الفاتح البدوي ود/لبابة الفضل وغيرهم من قيادات الجبهة الإسلامية ، جلس الأستاذ المحبوب فى مقدمة الخيمة الكبيرة التى نصبت لمخاطبة قادة الحزب، لعشرات الآلاف ممن زحفوا من مروى وحتى حلفا، لسماع البرنامج الانتخابي لحزب إسلامي جديد، يسعى لمنافسة الحزبين الكبيرين (الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي ) كان المحبوب يرتدى قميصا أبيض ناصع البياض، ويحمل فى يده دفتر ملاحظات صغير وبدأ يدون بعض الجمل، من أحاديث ممن صعدوا للمنصة، لمخاطبة الجماهير ،كان نحيلا ،وهادئا كعادته، سمعت منه بضعة كلمات خافتات ،جعلتني أوقن أن الرجل من طينة الرجال المفكرين ،وليس من شاكلة أولئك الذين يقلدون شيخهم، فيما يلبسه من لباس، وحتى أعزكم الله أحذية مرورا بتقليده ومحاكاته فى طريقة الكلام والابتسام، وليس انتهاء بتبني مواقفه صحيحة كانت أم مغلوطة ،كان المحبوب صحفيا وكاتبا لامعا فى جريدة الراية، وكنت قد التحقت لتوي بجريدة السوداني الدولية ،التى كان يملكها ويرأس تحريرها ،الأستاذ محجوب عروة ، وكنت التقى بالمحبوب لماما فى مناسبات معدودة ،بعضها عندما كان مسئولا عن الإعلام الخارجي ،ثم مع صديقه الآخر الأديب والسياسي والشاعر الخلوق (سيد الخطيب ) عندما كان سيد الخطيب مديرا لمكتب الترابي، وقت كان السودان قبلة للإسلاميين والقوميين العرب ،ثم أصبح الخطيب فيما بعد رئيسا لتحرير جريدة الإنقاذ ،كثيرون أسبغوا على الأستاذ المحبوب صفات يستحقها ، فقال البعض إنه يعد من أقوى رجال الحركة الإسلامية السودانية، بعد الترابي !! والبعض قال إنه الساعد الأيمن للترابي ، وبعضهم وصفه بأنه من أكثر شباب الحركة الإسلامية فى جيلها الثالث وضوحا وصراحة ،،وآخرون هاجموه ،وقالوا إنه يسعى للتشفي والانتقام والتي لها فى نفس أي امرئ جاذبية قوية ،قد تعلو جاذبية الشهوات والنوازع الأخرى ، ويرون أن جوانحه وخياشيمه كأنه( سمكة ) امتلأت بأفكار الغرب ومبادئه فسبح فى أفكار الغرب، بعد أن خلع مبادئه القديمة ،و(تفرنج ) وأعماه الحقد السياسي الأسود تماما كشيخه ، فبدأ يهاجم البشير ومن تبعه من إخوته بعيد الزلزال الذى شق كيان الحركة الإسلامية ،فى أعقاب مذكرة العشرة المشهورة وما رافقها من توابع ،جعل البعض من أمثالنا يحسب أن الأمر برمته لايعدو أن يكون مسرحية يتم إخراجها لتخفيف الضغط على الإنقاذ من ضربات خصومها محليا وإقليما وعالميا ، وصحيح أن مفاصلة رمضان الشهيرة ألقت بظلال سالبة على من تربوا تحت ظلال القرآن ،واستبانوا معالم الطريق ،لأنها كانت كسرا للعظام، وطحنا للجماجم ،حتى وإن لم تسفك فيها الدماء ،ربما لبعض حياء غشي وجوه من كانت أشواقهم كبيرة فى إقامة دولة المشروع الحضاري ،ومن جعلونا نهتف فى سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء ، لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء ،بعد أن اختلف واقع الدولة المترامية الأطراف، التى انقض عليها أخوان المحبوب، ذات ليل بهيم ،أو صباح بئيس ، وهى تنتقص من أطرافها ،عن تنظيم محدود يعرف الناس فيه بعضهم بعضا ،ويتكافلون فيما بينهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، سرعان ما وجدوا أنفسهم فى خضم بحر لجي هائج مائج ، وحرب ضروس فى الجنوب، وأمريكا وروسيا القيصرية، تتربصان بنظام الحكم الوليد ،، ومؤيدو الثورة الشباب يتحدون القوى العظمى ،بأن عذابها قد دنا ،وقد توجه الشباب زرافات ووحدانا ،الى معسكرات الدفاع الشعبي للذود عن حياض الوطن ،بينما كان الترابي يقضي فى زنزانته فى كوبر أيامه الأولى ،ويأكل المفروكة، ويصلي بقادة الأحزاب والقوى السياسية، التى ألقى القبض عليهم، من قبل تلامذته ،لتأمين الثورة الوليدة، حتى لا تجهض ،وكنت صباح يوم الجمعة الثلاثين من يونيو ، 1989 أسكن وقتها وزميلى حسين حسن حسين،( يعمل حاليا صحفيا بالمملكة العربية السعودية )، فى منزل الزميل تاج السر حسن الملك، بحلفاية الملوك بالقرب من منزل الراحل د/ عون الشريف قاسم وكان زميلنا السر يعمل معنا بجريدة السوداني قبل مغادرته للولايات المتحدة الأمريكية ، فاستيقظت على إثر مارشات يبثها راديو أمدرمان فقلت لصاحبى قم يا رجل البلد فيها انقلاب، ففزع وفقد كلينا وظيفته بعد الانقلاب بسبب إيقاف الثورة لكافة الصحف عدا القوات المسلحة ،وحتى صدور الإنقاذ والسودان الحديث، عانينا الأمرين ،وكنت شخصيا محررا برلمانيا ، وبحكم تغطيتي لما كان يدور فى البرلمان من سجالات عنيفة بين الأعضاء لم يكن من الصعب علي وعلى غيري من المراقبين، استنتاج أن البلاد مقبلة الى تغير من نوع ما ،وأذكر أن الأستاذ الدكتور مهدي إبراهيم ،كان أول قيادي من الجبهة الإسلامية القومية، يقدم لنا تنويرا عن هوية الانقلاب ، بمبني بنك فيصل الإسلامي وكان عضوا فى البرلمان ومن قبل كان رئيسا لتحرير جريدة الراية التى عمل فيها المحبوب ،لم يقل لنا بصريح العبارة إنه من صنع الإسلاميين ،لكن توجه من قاموا به يوحى بأنهم ضباط وطنيون هدفهم إنقاذ البلاد، مما هي فيه،وكانت القوات المسلحة وقتها فى أضعف حالاتها وكانت مدن الجنوب تسقط فى أيدي المتمردين واحدة بعد أخرى ، كأوراق الشجر وشيئا فشيئا بدأنا ندرك أن الانقلاب من تدبير الجبهة الإسلامية القومية ،من خلال مشاهدتنا لمجموعة من أخواننا الذين نعرفهم خاصة الشباب يحملون الكلاشات ويؤمنون الجسور والطرقات ،ثم ما لبسنا أن دلفنا مسايرة للوضع وحفظا للأرزاق، ثم إيمانا منا بتوجهات دولة المشروع الحضاري ، التي تهاوت الان عملنا فى صحافة الإنقاذ المكتوبة وفى تلفزيونها أيضا ، حتى مغادرتنا للسودان عام 1999 بمحض إرادتنا، وليس كما غادره زميلنا المحبوب، وكثير من أخوته وأبناء السودان الآخرين، لكن رغم ذلك لا ندعى أننا أعلم بأسرار العشرية الأولى من عمر الإنقاذ ممن كانوا قريبين من عراب الثورة، ومفكرها الأول الدكتور الترابي ،الذى قال إنه حمل حقيبته وبعض كتبه وأوراقه لتمضية بعض الوقت فى سجن كوبر ،وليجلس العميد وقتذاك عمر البشير قائد الانقلاب ، فى كرسي الرئاسة الوثير ،وهو يملأ رئتيه من هواء النيل الأزرق العليل ، الذى يهب على القصر الجمهوري ،كانت الأيام الأولى فى الأماكن العامة، كقاعة الصداقة التى كانت تعج بالمؤتمرات والمؤتمرين ،مكانا مناسبا لنا للحصول على التصريحات الصحفية ،وأذكر ذات يوم أنني سألت العقيد محمد الأمين خليفة عضو مجلس قيادة الثورة ،وأحد الذين كانوا يولون قضية السلام اهتماما كبيرا، سألته عن بعض أحداث الثورة وكنا نعد ملحقا خاصا عن السلام ،فقال لي بأسلوب مهذب، لم يحن الوقت بعد لنشر أسرار الثورة، وان مثل تلك الأسرار ينبغي أن تنشر بعد مدة مناسبة ، وهاهو المحبوب عبد السلام، ينشر بعض تلك الأسرار، وهاهو دكتور محمد الأمين خليفة ،ينحاز لحزب الترابي، ويكاد يعتزل العمل السياسي ،وهو لعمري خسارة فادحة للحركة الإسلامية، عندما يختفي من المسرح السياسي أمثال هؤلاء الرجال، ليعتليه آخرون دون أن يعذروا إخوتهم ،الذين خالفوهم الرأي ،يصدر كتاب المحبوب فى ظرف دقيق وحساس تمر به البلاد ، والإسلاميون تفرقوا شرقا وغربا ،وكل فريق من الحزبين الكبيرين يدعي وصلا بالسواد الأعظم من القواعد،فكانت محطة الانتخابات الماضية ،الجمر الذي احترق الجميع ،فيه إما أكرمهم الشعب أو أهانهم ، فإذا كان تحالف الأحزاب وسياسة (التشتيت )التى ابتدعها الترابي سوف تخصم من رصيد المؤتمر الوطني ،ليصدق ما ذهب إليه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، من أن البشير لن يفوز من الجولة الأولى، من ماراثون السباق الرئاسي ،فإن ذلك سيكون بعض الثمار المر الذى لابد أن تجنيه الإنقاذ بشقيها الحكومي والمعارض ،والدخان الذى تصاعد من الأطراف التى سمت نفسها بالهامش فى دارفور، وما قامت به الإنقاذ هناك لابد أن يستنشق ، والأحزاب التى طردتها الإنقاذ من نعيم السلطة ، واحتمت بعواصم الشرق والغرب ،وجيشت الجيوش لإسقاطها ، ثم عادت الى الداخل بعدما تبينت هوية الإنقاذ وهوية صانعيها ، تسعى من خلال منازلتها للحكومة الى إسقاطها ، ومن المؤسف أن يكون الإسلاميون حربا على بعضهم فى هذا المعترك ، كأنما استجاب الله لدعاء البعض عليهم (اللهم أجعل كيدهم فى نحورهم ، تدبيرهم فى تدميرهم ) والمحبوب عبد السلام لا أحسبه من خلال إصداره كتابه هذا ينطلق من روح تشفى ،والمحبوب الذى أعرفه ولو لماما ألف من قبل كتابا من الحريق السوداني فى الجنوب وكان واحدا من كبار كتاب جريدة الراية، ومن قبل مجلة الجامعة، وعمل صحافيا فى اليوم السابع الباريسية لمدة عامين ، ومنذ أيام دراسته الجامعية كانت تبدو عليه علامات النبوغ المبكر، ولا أحسب أن كادرا بمؤهلات وقدرات فكرية عادية، يصلح لأن يؤتمن على أسرار مفكر مثير للجدل فى قامة الدكتور الترابي ، ولكم أن تتخيلوا فقط جلوسه مع ثلة قليلة من إخوانه، الى شيخهم لتدوين تفسيره التوحيدي للقرآن الكريم فى حلقات ، ليس مجرد تدوين بل مناقشة الشيخ، فيما يقول ،لذلك فإن كتاب الأستاذ المحبوب هو تأملات للحركة الإسلامية من الداخل كما يقول هو نفسه عنه فى حوار له مع الصحفي المصري خالد محمد على ، وقد سجل فيه خلاصة مناقشاته وحواراته مع بعض أطراف الحركة الاسلامية وواقعها العملي ، فيه سلبيات وايجابيات، وقد عبر عن الايجابيات بدائرة الضوء، أما السلبيات فعبر عنها بخطوط الظلام ،والكتاب ليس تاريخا كما يقول المؤلف، وبالتالي لا نرى غضاضة فى أن يصب الكاتب عباراته فى قالب فيه شئ من نفس محمود درويش ،ولابأس من أن تقوده روح التصالح لا التشفي للاستشهاد بأبيات لمحجوب شريف، وان يملأ رئتيه بعطر قصائد هاشم صديق ،ويرقص طربا مع غناء أبو العركي البخيت ، ويتمايل وجدا مع موسيقى عقد الجلاد وليس نمارق ،ومن حقه أن يرسل لحيته ويطيلها ما أمكن، ليس لأن فى ذلك سنة يصيبها فقط ، بل لأن قادة كبار يعرفهم البطل يرقصون على جراحنا نحن معاشر السودانيين ليس منذ فجر الاستقلال فحسب ، بل من قبله ،فلم يستنكر البطل أو غيره عليهم الرقص بلحاهم .
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت الرقص

ومع ذلك لا نحسب أن الأخ المحبوب عبد السلام يرقص لوحده بلحيته، دون أن يغطيها ،ولن نقول يحلقها ،ولكنه وهو يقدم بين يدي الاستحقاق الانتخابي القادم ، سفره القيم هذا، قد لا يجد من الطرف الآخر (المؤتمر الوطني )من يرد على كل ما أورده فيه ،فإذا قال إن المؤتمر الوطني وقع فى خطأ منهجي بقسمته للثروة والسلطة، مع الجنوب وهذا صحيح، فإن الجنوب الذى تبارى الطرفان لكسب وده فى كل عواصم الدنيا (لندن ، نيروبي ، أديس أبابا ، جنيف الخ )فإن هذا الجنوب سيمضى الى حاله العام المقبل، من خلال استفتاء أبنائه على تقرير مصيرهم ، لكن ستظل دارفور شوكة تؤرق مضاجع الإسلاميين، يشعلها هذا الطرف ليصطلي بنارها الطرف الآخر، وقد لا يصدق الناس أيا من التيارين إن وعد فى برنامجه الانتخابي برؤية مغايرة لحل قضايا مئات الآلاف من الشباب العاطل والعودة لدولة القانون والعدل وحقوق الإنسان والمرأة والتكفير عن الفوضى التى صاحبت العشرية الأولى ،وإن تحدثوا وطالبوا بوزير للأمن يحاسبه البرلمان ،فالذين عذبوا فى بيوت الأشباح ، لن يسألوا أي الأطراف هي التى عذبتهم، بل سوف يتذكرون كيف عذبوا ،وجميل أن يعتذر المرء عن أخطائه ،ويطلب الصفح والعفو ممن ظلمهم ،والأسوأ أن يكابر ، وقد لا يفيد كثيرا شرح الأستاذ المحبوب ،كيف تحولوا من تنظيم الى نظام سياسي إسلامي ، فالتجربة الماثلة سوف تكون كفيلة أمام الناخب السوداني لمنح الإنقاذ عشرية ثالثة أو بضع سنوات ،أو إشهار (ڤيتو ) فى وجهها.
عنوان كتاب الزميل المحبوب مستوحاة من د/ على الحاج القيادي الإسلامي الذى يقيم حاليا فى ألمانيا ، والغريب أن المحبوب نفسه ذكر فى إحدى الحوارات الصحفية معه، أن قرارا حزبيا صدر بعودته الى السودان لكنه لم يعد حتى الآن ،وربما صدر قرار آخر جب ما قبله ، وفكرة عنوان الكتاب ببساطة حسب رؤية على الحاج تتمثل فى (أن الحركة الإسلامية السودانية مثل الدائرة كل شخص يقع فى مواجهتها لكن لا يستطيع أن يراقب كل الدائرة ،هناك شخص واحد يرى كل الدائرة وهو الترابي ) (سبحان الله كيف ضحت الحركة الاسلامية بزرقاء اليمامة؟ ) ولا ينكر المحبوب ،أنه استعان كثيرا بأفكار الرجل ، الذى اعتبره داهية ،فعلى الحاج طبيب النساء والتوليد الشاطر ،كان أمينا سياسيا للجبهة الإسلامية ،وكان وزيرا للتجارة ثم وزيرا للحكم الاتحادي ، ومفاوضا بارعا للمتمردين ،وقائدا فذا لما عرف بثورة المصاحف ،وهو من دارفور وكان قريبا أيضا من الترابي .
بقى أن نتساءل مع غيرنا هل سوف يدلى بدلوه حول الكتاب رجال من أمثال ، المؤرخ بروفسير حسن مكي والأستاذ أحمد محمد شاموق و الأستاذ محمد محمد أحمد كرار؟ والدكتور عبد الوهاب الأفندي وغيرهم ممن ألفوا كتبا حول تاريخ الحركة الاسلامية السودانية .وهل سوف يتناوله بالنقد أو التصحيح أو الإضافة ، أصحاب أقلام مثل الدكتور أمين حسن عمر وسيد الخطيب وحسين خوجلي ود/ محمد وقيع الله ود/ التجاني عبد القادر،ود/ محمد محجوب هارون ، ومحمد محمد احمد كرار , غيرهم وغيرهم بهدف تقويم تجربة الإسلام السياسي أو الحركة الاسلامية فى السودان وصولا الى صيغة تجمع الشمل وتصوب المسير ؟ لكن شيئا من ذلك لن يحدث فقد أودعت الحكومة الترابي سجن كوبر وأغلقت صحيفته (رأي الشعب ) بالضبة والمفتاح وهاهي تنكل بصحفييها شر تنكيل ، وتطوى صفحة الماضي ،وهل سوف نقرأ كتبا أخرى فى العشرية الثانية للإنقاذ ،تزيد الشرخ ،ولا تجنى العبر ؟أم سيترك الإسلاميون غيرهم ليحددوا لهم معالم الطريق ؟الذى كادوا أن يضلوا فيه إن لم يكونوا بالفعل قد ضلوه .نحو ظلمة أشبه بالظلمة التى حذر السيد على عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية الجنوب من القفز فيها حال اختياره الانفصال ،فلا يعقل أن نسدى النصائح للآخرين ولا نسديها لأنفسنا .
ومضات:
ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم
إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا
إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس الى حسن الثناء سبيل
وكل إمرئ يولى الجميل محبب وكل مكان ينبت العز طيب
*كاتب وصحافي سوداني مقيم فى قطر


الحب فى زمن أنفلونزا الخنازير


الحب فى زمن أنفلونزا الخنازير
بقلم سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم فى الدوحة
سليم عثمان
عنوان مقالنا هذا ،مقتبس من رواية الأديب العالمي الحائز على جائزة نوبل للآداب ،جابرييل غارسيا ماركيز (الحب فى زمن الكوليرا )التى صدرت عام 1985،وتروى أحداثها ،قصة رجل و امرأة منذ المراهقة ، وحتى بلوغهما سن السبعين ،وما دار حولهما فى منطقة الكاريبي من حروب أهلية وتغيرات مختلفة منذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتى بدايات القرن العشرين ،والرواية كتبت بأسلوب فريد، وبعبارات قصيرة جزلة عميقة، لا يجيد مثلها سوى أمثال ماركيز، والطيب صالح ،ولأن معظم أحداث الرواية حزينة وكتبت فى وسط حزين، فقد أضاف إليها الكاتب .فى زمن الكوليرا .
قد يعاتبى معاتب بقوله :أهذا وقت للكلام عن الحب ؟سواء كان فى زمن الكوليرا أو أنفلونزا الخنازير أو أنفلونزا الحمير، أعزكم الله أو حتى جنون البقر . ،وربما الكلام عن الحب يقودنا إلى الجنس الآخر ،فيجرح مشاعر البعض من قراء هذا الموقع الرائع ،فأرد بسؤال من عندي،فهل يجوز الكلام عن الحب فى كل أشهر الله الحرم وغيرها ونحرمه فى شهر بعينه ؟ او يوم ، أو ساعة من زمان ، الكلام عن الحب يحلو وقت السحر وعند المطر وفى فصل الربيع والخريف وفى المساءات الجميلة والصباحات الندية، على كل لم اسمع فتوى تحرم الحديث عن الحب فى وقت من الأوقات ، . ودونكم أكثر من ألف فضائية عربية تفتتح برامجها [باسم الحب وتختمها بذات الكلمة (مسلسلات وأفلام ).. .فى رمضان وفى غيره فمن الطبيعي ان نمتلئ بالأحمر الوهاج ومن البنفسج الفواح نملا الرئتين لتطير فى أعين من تتعلق قلوبنا بهم آلاف والنوارس البيضاء وملايين الغيمات الصغيرة فراشات ملونة زاهية ، لنعبر بها عن بعض وجد،ونرشف من كؤوس الحب حتى إذا ثملنا عدنا الى رشدنا ،نؤدي صلواتنا ونحن سكارى بحب الرحمن، ولأن خطر الإصابة بفيروس أنفلونزا الخنازير فى منطقتنا العربية أصبح محدودا ،فلا بأس أن نحب فى مواسمه وفى غير مواسمه حتى لا نختنق ،لكل الحق فى أن يحب ويعشق من يشاء وكيف شاء ومتى شاء ، ينبغي أن نعطي دون من او أذي لمن نحب ، لا ننظر جزاء ولا شكورا ، .
.. إلا أننا نؤمن أيضا بأن الحذر لا ينجى من القدر ، وأنا لاندرى ماذا نكسب غدا ولا تدرى نفوسنا بأى أرض تموت ، . .
وعودا إلى موضوع الحب فأنه يقع فى كل المواسم ،سواء كانت مواسم ربيع أو مطر ،أو أوبئة أو حتى (كتاحة ) والكتاحة عند السودانيين تعنى الأتربة والغبار الكثيف، فنقول طالما ليست هناك فتوى تحرم الكلام فى موضوع الحب، وطالما الدنيا صيام وحر وطالما هناك من يفترشون الأرض ويلتحفون السماء بسبب أحزانهم المختلفة وبسبب بؤسهم . ،وطالما هناك من يقومون بحل الكلمات المتقاطعة فى الصحف فى نهار رمضان، وطالما هناك من يركبون الحافلات فى خطوط طويلة لا بأس من كلام خفيف عن الحب ،فأنى ابتداء أعلن حبي لكل هؤلاء وغيرهم، وأدعوهم إلى سياحة خفيفة ، لن تجرح مشاعرهم بإذن الله .لكن حب المرء لوالدته لا يضاهيه حب فى الحب ولأنها رحلت عن دنياي قبل عام وبضعة أشهر فإن الدنيا تسود فى عيني لأنها رحلت دون أن أودعها ،كان الموت أسرع الى أنفاسها الزكية الندية من وقع أقدامي وخطواتي نحوها ،وهكذا حال الدنيا تحرمنا من أحب الناس ألى نفوسنا فعليها وعلى سائر نساء المسلمين ورجالها ألف رحمة ونور،ولا ينبغي أن نخصص يوما للاحتفال بمن صيرت الجنات تحت أقدامهن بل يجب أن نجعل كل أيامنا أعيادا لهن وبعد ذلك نقصر فى حقهن كثيرا جدا .
ستظل أسطورة الحب ملهمة للأدباء والفنانين والمفكرين والفلاسفة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهناك شبه إجماع بين الناس كلهم تقريبا (لم اجري استطلاعا لمعرفة النسبة المئوية )على أن الإنسان يمكن أن يشترى كل شئ بماله وجبروته، الإ الحب ،فالأم لا تستطيع أن تجبر بنتها على حبها وكذلك الوالد ،ولا أي شاب يمكن أن يحمل فتاة على حبه ، لماذا ؟لان القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء ،والحب قدر وطوفان تصاب به القلوب العاشقة فقط !!فطه حسين مثلا يرى( أن الحب لا يسأم ولا يمل ولا يعرف الفتور ، ويدعو كل محب إلى أن يلح فى حبه حتى يظفر بمن يحب أو يفنى دونه) وفى صيغة مبالغة تصل حد الكفر ،يقول دانتى .(الحب يحرك الشمس والنجوم )ومعلوم أن الشمس والنجوم تتحرك بأمر ربها ،أما العقاد فيصف الحب بقوله (انك لا تختار حين تحب ولا تحب حين تختار، وإننا مع القضاء والقدر حين نولد، وحين نحب، وحين نموت ) .أما محمود تيمور فيرى ضرورة ان يملأ الحب حياتنا وانه الروح الدافعة للإنسان للعمل المبدع الخلاق ،فإذا انعدمت هذه الروح فقدت الحياة أهميتها ، أترى أن كسلنا نحن معشر السودانيين يعود إلى أننا لا نعرف قيمة الحب ؟ذلك أن الحب ليس مقصورا على حب شاب لفتاة معينة أو رجل لأمراه ، بل يشمل حب الأم لأبنائها وهذا شئ فطرى وحب الأخ لأخيه والصديق لصديقة والموظف لمديره وكل فرد على وجه البسيطة للآخر وغيره من أنواع الحب ،وأسمى تلك الأنواع هو حب الله ورسوله (أظن أنني لم أجرح صيامكم حتى الآن،ولم أجعلكم تقولون ، اللهم أنى صائم ) لكن قولوها على كل حال .
إذن فالحب عاطفة سحرية يقع فى دوامتها العشاق ،حيث وصفه شوقي (الحياة الحب والحب الحياة ) ووصفه سقراط (بأنه شوق النفس الإنسانية الملح إلى الجمال الإلهي) ، والمحب لا يشتاق إلى التماس الجمال فحسب بل إلى إبداعه ونشره وزرع بذور الخلود فى الجسد الفاني ،وهذا ربما هو السر فى حب كل جنس للجنس الآخر ، والحب إذن هو أجمل مافى الحياة، ولولاه لما كان لهذه الحياة القصيرة الفانية مذاقها وحلاوتها ،وبالحب تغزل عمر ابن ابى ربيعة وسمي شاعر الغزل ،وعن الحب كتبت أجمل الروايات والقصص وأنتجت الأفلام فى أرجاء الكون، وفى كل يوم نسمع شابا أحب فتاة حتى الثمالة سرعان ما تفرقا ،لأننا دائما نتعجل الثمار لعدم معرفتنا بماهية الحب الحقيقي ،فكم منا أحب فتاة لشئ ما فيها ‘وعندما يذبل هذا الشئ يفتر الحب ،والحب الصادق هو من يلهمنا أدباء وشعراء وفنانين وعامة، لنكتب أعذب الأشعار ونعزف أجمل الألحان، ونرسم أبدع اللوحات ،بل نسوس الناس و الحياة كلها على قيم الخير والجمال والفضيلة ،فعلى سبيل المثال الحب هو من جعل طه حسين مبدعا وهو كفيف البصر، حتى ألف الأيام ودعاء الكروان ،لكن ذات الحب هو أيضا من أشقى قلوب العشاق فى الشرق والغرب ،خاصة الأدباء والفنانين منهم لأنها أشد حساسية ورقة وعذوبة من ملايين القلوب، وهو فى نفس الوقت القوة الدافعة التى تدفع هؤلاء الأدباء إلى أن يسجلوا آلامهم وأفراحهم، فى أعمال فنية بديعة ،هى كل عزائهم .وثروتهم، وقد تعذب العقاد كثيرا بقلبه وكانت له مع الأديبة اللبنانية الراحلة مي زيادة التى لعبت اخطر الأدوار فى مسيرته الأدبية، وأعطته من السعادة ما لم يكن يخطر له على بال، قصة حب مؤثرة وفيها قال : .
أعروس أحلامي وملهمتي معنى الحياة وفتنة السحر
كوني إذا ما شئت مفعمة حوريتي فى مقبل العمر
ويقول فى قصيدة أخرى بعنوان (إلى مي ..فى روما )
قبلتي يا مى فى ذاك الحمى أنت لا القبلة فى ذاك البناء
ورجائي اليوم فى مغربها وجهك الباسم لا وجه ذكاء
أرقب الليل إذا الليل سجا قلبا فيه على البعد لقاء
وأرود الشعر فى مثل الكرى فإذا فيه من القلب عزاء
أنت يا مى وهل أنت سوى حلم فى يقظة القلب أضاء
وتلقت مى هذه الأبيات وعبرت فى رسالة إلى العقاد عن هيامها وحبها له وختمتها بقولها ك(لقد أعجبتني أبياتك وأبكتنى )
وقد يقول قائل وما الحب الا للحبيب الأول ، فنقول إنه إن كان للأول أو الآخر ينبغى أن نسقيه ونرويه من مشاعرنا واحاسسينا ،ومن وقتنا وصبرنا وصدقنا، لكى تظل شعلته متقدة ولا تنطفئ أبدا ،وليس كل ما تعجب به بالضرورة حبيب،ولا تنتظر دائما اى عائد من الحب البشرى ،بل كن مثل الفراشة التى تحترق على ضوء المصابيح ، ..وكل عام وانتم بألف خير ونلتقيكم دائما على الخير والمحبة .


البكاء علي لبن نيفاشا المسكوب


البكاء علي لبن نيفاشا المسكوب
بقلم سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر
هل سكر أهل الشمال من شرب البيرة التي يصنعها أكبر مصنع للبيرة في
أفريقيا شيدته الحركة الشعبية برئاسة الفريق سلفاكير ميارديت في جوبا عاصمة الاستوائية الكبرى؟ بجزء من مبلغ الثمانية ملايين دولار التي تسلمتها الحركة من عائدات النفط .حتى يبكون على لبن نيفاشا المسكوب .؟ وهل كانوا مخدوعين حقا عندما صدقوا و ظنوا( وبعض الظن إثم ). مقولة سلفاكير .أن الوحدة تقوي السودان والانفصال يضعف الجميع لأنه إذا فقدت جزءا من الجسم تشعر بالنقصان قال هذا الحديث وأضاف أن من يتحدثون عن انفصاليته كذابون ويرغبون في أن( يجعلوني أقف في صف الانفصاليين ) والحديث مازال للقائد سلفا كما يسميه أنصاره وهو يخاطب مواطني البطانة شرق الخرطوم ونقله زميلنا إسماعيل آدم لجريدة الشرق الأوسط بتاريخ26/9/2005،وأضاف سلفاكير وهو يخاطب أول مؤتمر للحركة الشعبية أن تيار الوحدويين، وهو من ضمنهم ،انتصر منذ أيام زعيم الحركة الراحل جون قرنق على تيار الانفصاليين ، وقال الرجل عقب عودته من مصر مؤخرا أن خيار الوحدة مازال راجحا وقائما، وان الوحدة هي الخيار الأصيل، بينما الانفصال هو الخيار البديل، إذا عجز الشريكان، أو احدهما ،عن الوفاء بالتزامات الاتفاقية .وقد قال من قبل: لا طلاق ولا شتات بين الشريكين، عندما زار الدمازين وقال الرجل لصحيفة عكاظ السعودية في حوار أجرته معه بتاريخ 12/1/2008مانصه التالي :
( مع تجديد واشنطن لعقوباتها الاقتصادية على السودان) .
يقال إنكم تستخدمون علاقاتكم المتميزة بواشنطن للضغط على شريككم في الرئاسة.. فبماذا تعلقون ؟قال سلفاكير : - ليس من المعقول أن يكون هذا واقعا، فأنا امثل السودان وعلاقاتي مع الإدارة الأميركية أوظفها للاستقرار في بلادي ،عبر إيجاد حل سلمي وعادل في دارفور، وكيفية تنفيذ اتفاقية السلام، وبحث السبل لإيجاد المساعدات التنموية، لتحقيق هذه الأهداف،والتي منها تحسين العلاقات السودانية الأمريكية بشكل عام. ومن وجهة نظري أن ما جرى في السابق ويجري حاليا كان السبب وراء تجديد الإدارة الأميركية لعقوباتها على السودان.
هل يعني هذا أن الانفصال ليس واردا لديكم ؟
- بكل تأكيد ، فنحن جئنا لنكرس الوحدة في الوطن لا التجزئة والتفريق.
وهل صحيح أنكم وعدتم بزيارة الأقاليم الشمالية؟
- نعم ، وهي زيارة قائمة سأعمل على تنفيذها) انتهى كلامه.
ومن قبل قال سلفاكير انه سوف يزور دارفور والشمالية قريبا،ولكنه لم يفعل،رغم انه النائب الأول لرئيس الجمهورية، وزار عوضا عن تلك المناطق التي كانت تتوق لزيارته ،واشنطن والتقى الرئيس السابق بوش ، و زار طرابلس والتقى القذافي ،و زار القاهرة والتقى مبارك ، وزار كمبالا والتقى موسفيني ،الذي اتهم باغتيال قرنق ،وليس من رابط بين كل هذه . الزيارات ، إلا ما كان يفكر فيه الرجل، خلال صمته الطويل ، والرجل الذي قالوا عنه انه ذو شخصية غامضة، ورجل استخبارات من طراز فريد ،ومن رتبة رقيب ترقى حتى وصل رتبة الفريق أول، كابن لأحد سلاطين الدينكا، بكل ما يعنيه ذلك لشاب جنوبي، من سلطان وجاه ووجاهة في قومه . استطاع الرجل الذي كان ممسكا بالبندقية في أحراش الجنوب، أن يدخل القصر الجمهوري،مرتديا قبعته المميزة ، ويجلس في كرسي الرجل الذي حاورهم شهورا عدة في نيفاشا ، وترك الكرسي لمحاوره قرنق الذي لم يجلس عليه طويلا سرعان ما اختطفه الموت في حادث الطائرة المشئومة في الجنوب يوم اثنين أعقبه ثلاثاء دام من قبل الجنوبيين ضد إخوانهم الشماليين في الخرطوم ، لكن. سلفاكير، لم يستطع أن يكون قوميا ،ولبس( برنيطة) الجنوب، وفضل جوبا على القصر الجمهوري بشارع النيل، في الخرطوم . وأصبح تواجده فى الخرطوم نادرا ولم يزر مدن شمالية رغم أنه النائب الأول لرئيس الجمهورية ،قالوا عنه: انه هادئ وهذا صحيح، و قالوا عنه :انه كريم وهذا شيمة كل جنوبي، فليس هناك جنوبي واحد بخيل، قالوا عنه: انه مثقف ويحب الاطلاع .وانه كثير الصمت قليل الأكل والكلام، وقالوا انه يصعب على المرء معرفة ما يفكر فيه الرجل، عندما تجلس إليه، وقالوا انه: مقترن بزوجة أخرى اثر وفاة شريكة حياته الأولى، وله عدد من البنين والبنات، ويحب النظام والعمل واحترام المواعيد ، وكلها لعمري من مطلوبات الشخصية العامة القيادية، ورجل الدولة ، باختصار سيرة الرجل طيبة وليس فيها ما يقدح ، لكن هل كل تلك الصفات جعلته يقترب من سلفه قرنق في إدارة الحركة تنظيميا ومن ثم الاطلاع بأعباء مسئولياته القومية كرئيس لحكومة الجنوب ثم كنائب أول لرئيس الجمهورية ؟ هذا ما لا يختلف عليه اثنان الراحل قرنق كانت له شخصية كاريزمية ،جعلته يعبر بالحركة في منزلقات خطرة مرت بها طوال فترة الحرب ،وليس هذا مجال مقارنة بين الرجلين لكننا هنا فقط نحاول قراءة عما إذا كان سلفاكير مؤمنا بالوحدة كسلفه قرنق من خلال أقواله الموثقة لدى وسائل الإعلام المحلية والدولية.
ولذلك لو حاولنا أن نحصر عدد المرات التي صرح فيها القائد سلفا، بإيمانه بالوحدة الجاذبة ،ربما ظلمنا الرجل ،ولو حاكماه إلى الأقوال المنسوبة إليه بشأن الوحدة، لما أعطيناه ما يستحق، وليس عيبا أن يعبر الرجل عن ضيقه بالوحدة، ويعلن صراحة . ودون لف أو دوران، ومن داخل كنيسة كتور في جوبا ،ويدعو المصلين إلى التصويت لصالح استقلال الجنوب، عن شمال السودان، (الانفصال ) لو أرادوا حرية ومواطنة من الدرجة الأولى ،أما إن أرادوا أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية، فما عليهم إلا أن يصوتوا للوحدة ، هذه التصريحات المنسوبة إليه، استقبلت حينها بعاصفة من الانتقادات رغم ان معظم المراقبين المحليين والدوليين لم يستبعدوا وقوع انفصال الجنوب عند الاستفتاء عام 2011،لكن لماذا أثارت تصريحاته كل هذا الجدل في أوساط السودانيين وغيرهم ؟ .قد يقول قائل: إن الرجل ربما تعرض لضغوط من التيار الانفصالي داخل الحركة ،فنرد على هؤلاء أن سلفاكير ليس ممن يخافون من مكر ودهاء باقان اموم ، وقد قال بنفسه ان تيار الوحدويين داخل الحركة انتصر على تيار الانفصاليين ، وقيل إنه في أيام التفاوض في ميشاكوس اختلف مع رئيسه قرنق ورفض تعنته ، واعتصم بمنطقته ، ومنطقه ، فالرجل ربما وصل لقناعة، لا يزعزعها شئ أن انفصال الجنوب هو ما يضمن لمواطنيه رخاء العيش ورغده ، وعدم التقاضي في محاكم تقطع يد السارق، وتجلد الزاني غير المتزوج وترجم المحصن وتجلد من يشرب الخمر كما قال مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية المشير البشير مؤخرا لدي مخاطبته الطريقة الصوفية القادرية بالخرطوم ، ولا يعدو كلامه الا نوعا من التسويق لشخصه وحزبه فى الانتخابات المقبلة (طبعا ليست هناك شريعة مطبقة في الشمال ومشروع دولة التوجه الحضاري انهارت) حتى قبل توقيع اتفاق سلام نيفاشا، والتشاكس بين الشريكين بدأ منذ توقيع الاتفاق الإطاري بينهما في مشاكوس ،ولذلك كان طبيعيا أن يزهد السيد سلفاكير فى الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية ويوكل هذه المهمة للسيد ياسر عرمان ليسبب بعض الصداع للمؤتمر الوطني حتي يحين موعد الاستفتاء فى الجنوب ويذهب الجنوب الى سبيله ويبدأ فى تأسيس دولته الجديدة ،والديمقراطية التي ظلت الحركة الشعبية فى الشمال لم تسع الى تنزيلها فى واقع الجنوب ،فقد سعت استخبارات الحركة وعناصرها الأمنية بتوجيه مباشر من ساسة الحركة إلي تكميم الأفواه ، ومنع الاحزاب الأخري من ممارسة العمل السياسي بشكل مفتوح ولم يسلم من ذلك حزب الدكتور لام أكول ولا المؤتمر الوطني شريك الحركة الشعبية فى الحكم ثم اغتالت عناصر أمن الحركة الشعبية القيادية في المؤتمر الوطني مريم بزنجي في جوبا ؟ ولماذا تعتقل استخبارات الحركة قادة بارزين من المؤتمر الوطني في الجنوب ومن حزب لام أكول والذين اعتقلتهم من حزب المؤتمر الوطني لم تخبر حتى شريكها في الحكم بالتهم المنسوبة إليهم ؟ وقد اختفى عدد كبير من المواطنين الشماليين في الجنوب، في ظروف غامضة ولا يعرف ذووهم عنهم شيئا سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً ؟ ورغم كل ذلك تحمل الحركة شريكها في الحكم مسئولية التقصير إحداث توفير أرضية الوحدة الجاذبة؟ وتتهمه بأنه لم يطلع بالدور التنموي المطلوب،وتنسى نفسها ؟ولا تلوم المانحين الذين وعدوا بأكثر من خمسة مليارات دولار ولم يفوا بها؟ ولماذا لا تسأل الحركة نفسها أين ذهب مبلغ أكثر من ثمانية مليارات دولار تسلمتها الحركة، كنصيب لها في عائدات النفط؟ ولم تفعل بها شيئا للمواطن الجنوبي، كما اتهمها بذلك القيادي السابق البارز في الحركة ووزير الخارجية السابق عن الحركة د لام أكول . ،الحركة الشعبية تتحدث عن التحول الديمقراطي، وتضيق ذرعا بالديمقراطية حتى داخل أطرها التنظيمية ، والكل عرف ما فعلته بدكتور لام أكول والأستاذ غازي سليمان، لمجرد أن بعض تصريحاتهما ومواقفهما قاربت مواقف المؤتمر الوطني، حتى سارعت الحركة واتهمتهما بأنهما تابعين للمؤتمر الوطني .
وبتقديرنا أن انفصال الجنوب، سواء بتحريض من باقان أو سلفاكير أو الغرب أو غيرها من الجهات والدوائر نتاج طبيعي، لسياسة التشاكس الذي لازم طرفي اتفاق نيفاشا، ولا ينبغي أن يبكي أحد منهما على لبن نيفاشا المسكوب، أو الذي سكبوه، لكن محمد احمد وجون وملوال يريدون نهاية لهذا المسلسل الممل، الذي يتشارك في عرضه كل من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ،وكل همهما أن يعززا مكاسبهما في السلطة والثروة ،أما المواطن المغلوب على أمره في الشمال والجنوب ، فهو في مؤخرة أولوياتهم ،انه فشل النخبة القيادية في السودان منذ فجر الاستقلال ، في إدارة الحوار الوطني المسئول، انه فشلها في إدارة الدولة على أساس المواطنة الحقة ،لا المتاجرة والمزايدة باسمه في سوق السياسة ، ليس هناك قيادي واحد في المؤتمر الوطني، أو الحركة الشعبية يعاني من شظف العيش ، فالكيانان كل منهما يتهم الآخر بالفساد، والمحاباة وتكديس الأموال والأسلحة ،وبناء العمارات الشاهقات،وتحويل أموال السودانيين الغلابى إلى بنوك سويسرا وكولامبور ولندن وواشنطن ونيروبي وكمبالا، وشراء العقارات في لندن وواشنطن ونيروبي والقاهرة ،ورغم اختلاف اللصين لم يعد المسروق إلينا سواء كانت سلطة أو ثروة ، لذلك لا ينبغي أن يتحسر أحد، إذا راح الجنوب لحاله ودارفور . والشرق تبعهما ، ولا ينبغي أن يستهجن أحد، إن ثارت منطقة دنقلا وحلفا الآمنتين، وتمردتا على سلطة الخرطوم، وطالبتا بالانضمام إلى مصر أسوة بحلايب،التي ابتلعتها مصر في غمرة صراع المؤتمر الوطني، مع الحركة الشعبية ، أو طالبتا بنيل الاستقلال كما حث سلفاكير مواطنيه فليس أحد أفضل من أحد، طالما الحقوق لا تؤخذ إلا بالسلاح في فقه المؤتمر الوطني .
نخبنا السياسية وعلى رأسها ، مولانا محمد عثمان الميرغني، والإمام الصادق المهدي ، الذى ما برح يردد مقولة الانقاذ دمرت البلاد حتى يخال الى المرء أنها كانت فى ظل ديمقراطيته تعيش فى بحبوحة يحسدها الآخرون ، ولا ندري كيف لرجل حصيف كالسيد المهدي يكتشف تدمير المؤتمر الوطني للبلاد بعد عشرين عاما (ما سر هذه النباهة المتأخرة يا تري ) أم أن ما يردده والدكتور حسن الترابي، والأستاذ محمد إبراهيم نقد، وغيرهم من السياسيين الكبار، غاية ما سوف يفعلونه هو الفرجة معنا على الشريكين، وربما في أحسن الأحوال الشماتة ومقاطعة الانتخابات، يا لعبقرية نخبنا ،وسادتنا وكبرائنا ..فلا الحركة رضيت عنهم، ولا المؤتمر الوطني قدرهم، .فأصبح لا فرق بيننا وبينهم .الكل يتابع مرغما حلقات مسلسل نيفاشا ، الذي أخرجه الأمريكان والغربيون، ومثل فيه دور البطولة بامتياز، كل من الراحل قرنق وعلي عثمان ، لكن يحمد للطرفين المتشاكسين، أنهما ربما تابا توبة نصوح ،. من العودة إلى الحرب مرة أخرى، وإذا سألناهم لماذا مستودعات السلاح في الخرطوم وفي جوبا وملكال وواو، وغيرها من مدن السودان؟ كانت إجابتهم أنهما ينويان إقامة اكبر معرضين للسلاح بعد انفصال الجنوب في كل من قوقريال وحوش بانقا، مسقط رأس كل من البشير وسلفاكير .فرحا بالسلام الحقيقي والانفصال أو الاستقلال، أيهما أدق وصفا لتلك الحالة التي سيكون عليها السودان بعد عامين أو اقل ، لذا علينا أن لا نخشى أبدا من وقوع حروب جديدة، فأكثر من عقدين منها، أوصلت الطرفين إلى سن الرشد، وحان الوقت لكي يعيش كل مواطن في( الدولة الوليدة، والقديمة ، أي في السودان القديم والجديد) مواطنا من الدرجة الأولى، لا ينقصه شئ، عن المواطن الذي يعيش في استوكهولم أو نيويورك أو أي مكان آخر، فإذا كان سلفاكير يعتقد أن مواطني الجنوب من الدرجة الثانية، ومواطني الشمال من الدرجة الأولى، رغم تمتع الحركة الشعبية بـ 28%من الوزراء في الحكومة الاتحادية ورغم تمتعها بنسبة 10%من حكومات الولايات الشمالية ورغم تمتعها بنسبة 50%من عائدات النفط ورغم حصولها على( 8مليارات دولار) وأكثر من مائة مليون دولار شهريا من عائدات البترول ،وحصولها على أربعين دائرة جغرافية إضافية فى الجنوب مقابل عدم إثارتها لموضوع التعداد السكاني ، ورغم كامل سيادتها وسيطرتها منفردة على الجنوب، ورغم وجود مقدر لها في جبال النوبة والنيل الأزرق، وحصولها على قرابة مليار دولار، من أمريكا سنويا .و رغم وجود أكثر من مليون مواطن ، من أبناء الجنوب في الخرطوم. وحدها يشاركون المواطن الشمالي في كل شيء إلا أن سلفاكير الذي كان وحدويا بالأمس القريب، يرى أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ،ولا يعلم سعادة النائب الأول لرئيس الجمهورية حال بقية المواطنين في الشمال ،لأنه لم يتكرم بزيارتهم . فهناك مواطنون من الدرجة الرابعة، في قرى الشمالية و كردفان والشرق و دارفور، ليست لديهم مدارس ولا عيادات أو( شفخانات ، مراكز صحية ) ناهيك عن المستشفيات، ولم يروا في حياتهم سوى ضوء الشمس والقمر ، ويشربون من الحفائر، والترع ماء غير صحي، ولم يسمعوا بالجامعات، ولا يحلمون أن يدرس أبناؤهم فيها يوما ما، باختصار نصيبهم من التنمية صفر كبير ، وبنفس القدر نعتقد أن قادة الحركة والمؤتمر الوطني،وأبناءهم وأقاربهم ومعارفهم ومناصروهم ،مواطنون من الدرجة الأولى .. وبقية الشعب في الشمال والجنوب، درجة ثانية ، لذلك فمن الخير أن نوافق أخانا الطيب مصطفي ونشاطره الرأي في دعوته في أن يذهب الجنوب إلى حاله، وينشئ أبناؤه دولتهم المستقلة ،حتى لا يظن قادتهم أن الشمال يحبسهم، ولا يتركهم يأكلون بحرية من خشاش الأرض السودانية الرحبة، التي ضاقت بقلوبهم ، فإذا حبسهم المؤتمر الوطني رغما عنهم، فلا شك أن مصيره في الانتخابات المقبلة( .التي ستجري بعد اقل من أسبوعين )سيكون مثل تلك المرأة التي دخلت النار في هرة، كونها لم تطعمها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض ، فما بالكم بالإنسان الذي أكرمه الله ، وليت قادة الحركة لا يقطعون شعرة معاوية بين الشمال والجنوب، وان يعملوا للوصول مع المؤتمر الوطني، لصيغة تمكن من الالتقاء، ولو بعد سنوات ،من الانفصال ، كما حدث بين ألمانيا الشرقية والغربية، وبين اليمن الشمالي والجنوبي، وكما تتوق الكوريتان الشمالية والجنوبية ، ومهما يكن من أمر فان أمر الله غالب ومشيئته نافذة، وليس بمقدور أي طرف من إطراف نيفاشا فعل شيء سوى تعزيز تلك المشيئة، سواء بالانفصال أو الوحدة والخير كل الخير فيما يريده الله .
رحيق الكلام :
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فمن يلوذ ويستجير المجرم
ادعوك ربي كما أمرت تضرعا فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إني مسلم
علاج عجيب :
قيل لأحد الصالحين :إني أشكو من مرض البعد عن الله فما العلاج ؟ فقال العبد الصالح للسائل :يا هذا ،عليك بعروق الإخلاص ،وورق الصبر وعصير التواضع ،ضع هذا في إناء التقوى ،وصب عليه ماء الخشية وأوقد عليه بنار الحزن ،وضعه بمصفاة المراقبة ،وتناوله بكف الصدق ،واشربه من كأس الاستغفار ،.وتمضمض بالورع ،وابعد نفسك عن الحرص والطمع ، تشفى بإذن الله.

كل شيء ما خلا الله باطل .ون