الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

قطوف ، حكم ونوادر.
بقلم: سليم عثمان
يقول الشيخ على الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته  : أذن المغرب، فأبيح لنا ما كان محرماً علينا، كنا نرى الطعام الشهي أمامنا ونحن نشتهيه، والشراب البارد بين أيدينا ونحن نتمناه ونرغب فيه، فلا نمد إليه يداً، ونكف النفس عنه، ومناها الوصول إليه، لا يمنعنا منه أحد، ولا يرانا لو أصبنا منه أحد، ولكنه خوف الله... لذلك قال الله في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي). إن كل العبادات لله فما بال الصوم؟ ولماذا خصه الله بالنص على أنه له؟ لست أدري، ولكني أظن، الله أعلم، أن العبادات عمل، فأنت تستطيع أن تعملها رياء، أما الصوم فهو' ترك عمل' فلا يمكن أن يدخله الرياء، إلا إن جاء من يلازمك لزوم الظل فيكون معك في كل لحظة، وفي كل مكان وهذا ما لا يدخل في الإمكان، بل إن من الممكن أن يشرب العطشان من' حنفية' المغسلة في المرحاض، فيطفئ نار العطش في جوفه ولا يراه أحد لأنه لا يدخل أحد معه المرحاض، ويمكن أن يبتلع الماء و يتمضمض عند الوضوء، فلا يحس به أحد، ولو كان الناس حوله ينظرون إليه، لذلك كان الصيام الحق سالماً من رياء الناس، فهل هذا هو الجواب أم يقصر ذهني عن إدراك الجواب؟
ادعى رجل النبوة في أيام المأمون، فأحضره المأمون وقال له: ما دليل نبوتك ؟ قال: أن أعلم ما انعقد عليه ضميرك. فقال: ما هو ؟ قال: في نفسك أصلحك الله أني كاذب؛ فضحك منه وتركه وادعى آخر النبوة بالكوفة، فأدخل على واليها. فقال: ما صناعتك ؟ قال: حائك، قال: نبي حائك؟! قال: فأردت نبياً صيرفياً ؟ الله يعلم حيث يجعل رسالته ،وأتي المعتصم برجل ادعى النبوة. فقال: ما آيتك ؟ قال: آية موسى. قال: فألق عصاك تكن ثعباناً مبيناً ؟ قال: حتى تقول: أنا ربكم الأعلى
اجتمع قوم من أهل البلاغات، فوصفوا بلاغاتهم مهنهم :
فقال الجوهري: أحسن الكلام نظاماً ما ثقبته يد الفكرة، ونظمته الفطنة، ونضد جوهر معانيه في سموط ألفاظه، فاحتملته نحور الرواة.
وقال العطار: أطيب الكلام ما عجن عنبر ألفاظه بمسك معانيه؛ ففاح نسيم نشقه، وسطت رائحة عبقه؛ فتعلقت به الرواة، وتعطرت به السراة:
وقال الصائغ: خير الكلام ما أحميته بكور الفكرة، وسبكته بمشاعل النظر، وخلصته من خبث الإطناب، فبرز بروز الإبريز في معنىً وجيز.
وقال الصيرفي: خير الكلام ما نفدته يد البصيرة، واجتلته عين الروية، ووزنته بمعيار الفصاحة، فلا نظر يزيفه، ولا سماع يبهرجه.
وقال الحداد: خير الكلام ما نصبت عليه منفخة الروية، وأشعلت فيه نار البصيرة، ثم أخرجته من فحم الإفحام، ورققته بفطيس الإفهام.
وقال النجار: خير الكلام ما أحكمت نجر معناه بقدوم التقدير، ونشرته بمنشار التدبير، فصار باباً لبيت البيان، وعارضةً لسقف اللسان.
وقال النجاد: أحسن الكلام ما لطفت رفارف ألفاظه، وحسنت مطارح معانيه؛ فتنزهت في زرابي محاسنه عيون الناظرين، وأصاخت لنمارق بهجته آذان السامعين.
وقال الماتح: أبين الكلام ما علقت وذم ألفاظه بكرب معانيه، ثم أرسلته بقليب الفطن، فمنحت به سقاءً يكشف الشبهات، واستنبطت به معنى يروي من ظمأ المشكلات.
وقال الخياط: البلاغة قميص فجربانه البيان، وجيبه المعرفة، وكماه الوجازة، ودخاريصه الإفهام، ودروزه الحلاوة، ولابسه جسد اللفظ، وروحه المعنى.
وقال الصباغ: أحسن الكلام ما لم تنصل بهجة إيجازه، ولم تكشف صبغة إعجازه، وقد صقلته يد الروية من كمود الإشكال، فراع كواعب الآداب، وألف عذارى الألباب.
وقال البزاز: أحسن الكلام ما صدق رقم ألفاظه، وحسن نشر معانيه، فلم يستعجم عنك نشر، ولم يستبهم عليك طي.
وقال الحائك: أحسن الكلام ما اتصلت لحمة ألفاظه بسدى معانيه، فخرج مفوفاً منيراً، وموشى محبرا
في يومٍ من الأيام قرر جميع أهل القرية أن يصلوا صلاة الاستسقاء تجمعوا جميعهم للصلاة لكن أحدهم كان يحمل معه مظلة تلك هي الثقة.
قال أحد الشعراء :
ما إن ندمت على سكوتي مرة  ...  ولقد ندمت على الكلام مرارا
قال الجاحط عن الكتاب في كتابة الموسوم بالحيوان:
نعم الذخر والعُقدة هو، ونعم الجليس والعُدَّة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس لساعة الوحدة، ونعم المعرفةُ ببلاد الغربة ونعم القرين والدخِيل، ونعم الوزير والنزيل،
والكتاب وعاءٌ مُلِئَ علماً، وَظَرْفٌ حُشِي ظَرْفاً، وإناءٌ شُحِن مُزَاحاً وجِدّاً؛ إِنْ شئتَ كان أبيَنَ من سَحْبانِ وائل، وإن شئت كان أعيا من باقِل، وإن شئتَ ضَحِكْتَ مِنْ نوادِرِهِ، وإن شئتَ عَجِبتَ من غرائبِ فرائِده، وإن شئتَ ألهتْك طرائفُه، وإن شئتَ أشجَتْك مواعِظُه، وَمَنْ لَكَ بِوَاعِظٍ مُلْهٍ، وبزاجرٍ مُغرٍ، وبناسكٍ فاتِك، وبناطقٍ أخرسَ، وبباردِ حارّ.
من نوادر جحا :
- استأجر جحا داراً، وكان خشب السقف يُقرقع كثيراً، فلمَّا جاء صاحب الدَّار يُطالبه بالأجرة قال له: أصْلِحْ هذا السقف فإنه يُقرقع، قال: لا بأس عليك، فإنه يسبح الله، قال جحا: أخاف أن يزداد خشوعه فيسجد.
- سأله رجل أيهما أفضل يا جحا؟.. المشي خلف الجنازة أم أمامها.. فقال جحا: لا تكن على النعش وامش حيث شئت.
- رأى يوماً سربا من البط قريبا من شاطئ بحيرة فحاول أن يمسك بعضها فلم يستطع، لأنها أسرعت بالفرار من أمامه.. وكان معه قطعة من الخبز فراح يغمسها بالماء ويأكلها.. فمر به أحدهم وقال له: هنيئاً لك ما تأكله فما هذا؟.. قال: هو حساء البط ، فإذا فاتك البط فاستفد من مرقه.
- طبخ يوما طعاما وقعد يأكل مع زوجته فقال : ما أطيب هذا الطعام لولا الزحام! فقالت زوجته: أي زحام ولا يوجد إلا أنا وأنت ؟ قال : كنت أتمنى أن أكون أنا والقِدر فقط.
- جاءه ضيف ، وبات عنده، فلما انتصف الليل أفاق الضيف ، ونادى جحا قائلا: ناولني يا سيدي الشمعة الموضوعة على يمينك ، فاستغرب جحا طلبه وقال له: أنت مجنون، كيف أعرف جانبي الأيمن في هذا الظلام الدامس؟
- سألوه يوماً: ما طالعك؟ فقال: برج التيس. قالوا: ليس في علم النجوم برج اسمه تيس. فقال: لما كنت طفلا، رأت لي والدتي طالعي، فقالوا لها إنه في برج الجدي. والآن قد مضى عليّ ذلك أربعون عاماً فلا شك أن الجدي منذ ذلك الوقت قد كبر وصار تيسا.
– سئل يوما: أيهما أكبر، السلطان أم الفلاح؟ فقال: الفلاح أكبر، لأنه لو لم يزرع القمح لمات السلطان جوعا.
- وسئل: كم ذراعا مساحة الدنيا؟ وفي تلك اللحظة مرت جنازة، فقال لهم: هذا الميت يرد على سؤالكم فاسألوه، لأنه ذرع الدنيا وخرج منها.
- كان أمير البلد يزعم أنه يعرف نظم الشعر، فأنشد يوما قصيدة أمام جحا وقال له: أليست بليغة؟ فقال جحا: ليست بها رائحة البلاغة. فغضب الأمير وأمر بحبسه في الإسطبل، فقعد محبوسا مدة شهر ثم أخرجه. وفي يوم آخر نظم الأمير قصيدة وأنشدها لجحا، فقام جحا مسرعا، فسأله الأمير: إلى أين يا جحا؟ فقال: إلى الإسطبل يا سيدي







أقوال جميلة :
- ابتسامة الفم لا تعني ابتسامة القلب .
- كريم الأصل كالغصن كلما حمل ثمارا انحنى .
- كل شيء إذا كثر رخص ما عدا العقل فإنه إذا كثر غلا . ...
- ليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئا نسعى من أجله .
- كوخ تضحك فيه خير لك من قصر تبكي فيه .
- من أعطيت له سرك صرت له عبدا .
- دلائل الغباء ثلاثة ( العناد .. الغرور .. التشبث بالرأي ) .
- المتشائم عدو نفسه فكيف يكون صديق غيره ؟.
- الحكيم يغفر إساءة الجاهل .
- أكثر الناس كذبا من يكثر الحديث عن نفسه


إنّ الغَرامَ هوَ الحَياة فَمُتْ بِهِ
إبن الفارض، هو أبو حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي، أحد أشهر الشعراء العباسيين  المتصوفين، وكانت أشعاره غالبها في العشق الإلهي حتى أنه لقب بـ "سلطان العاشقين". والده من حماة في سوريا، وهاجر لاحقاً إلى مصر،الشاعر عمر ابن الفارض كان يتميز  بإسلوبه المعروف، الذي يجمع بين العذوبة والحلاوة وبين الفصاحة والجزالة
وقد كان زاهداً وورعاً، اتخذ زهده وورعه صورة عملية في آخر حياته حين نزل عن الحكم، ورفض منصب قاضي القضاة واعتزل الناس، وانقطع الى الله في قاعة الخطابة بالأزهر، كان ابن الفارض عالما بمذاهب الحب المختلفة، ومبادئه الشاقة 
زدني بفرطِ الحبِّ فيكَ تحيُّراً
وارحمْ حشى ً بلظي هواكَ تسعَّراً
وإذا سألتكَ أنْ أراكَ حقيقة ً
فاسمَحْ، ولا تجعلْ جوابي لن تَرَى
يا قلبُ! أنتَ وعدتَني في حُبّهمْ
صبراً فحاذرْ أنْ تضيقَ وتضجرا
إنّ الغَرامَ هوَ الحَياة، فَمُتْ بِهِ
صَبّاً، فحقّكَ أن تَموتَ، وتُعذَرَا
قُل لِلّذِينَ تقدّمُوا قَبْلي، ومَن
بَعْدي، ومَن أضحى لأشجاني يَرَى؛
عني خذوا، وبيَ اقْتدوا، وليَ اسْمعوا،
وتحدَّثوا بصبابتي بينَ الورى
ولقدْ خلوتُ معَ الحبيبِ وبيننا
سِرٌّ أرَقّ مِنَ النّسيمِ، إذا سرَى
وأباحَ طرفي نظرة ً أمَّلتهـــا
فغدوتُ معروفاً وكنتُ منكَّراً
فدهشتُ بينَ جمالهِ وجـلالهِ
وغدا لسانُ الحالِ عني مخبراً
فأدِرْ لِحاظَكَ في مَحاسِن وَجْهِهِ،
تَلْقَى جَميعَ الحُسْنِ، فيهِ، مُصَوَّرا
لوْ أنّ كُلّ الحُسْنِ يكمُلُ صُورَة ً،
ورآهُ كانَ مهلَّلاً ومكبرا
 ومن قصائده  الرائعة أيضا هذه الأبيات :
قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي، روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ
لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي
ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ، في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ
فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛ يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ
يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ
عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي منْ جِسميَ المُضْنى ، وقلبي المُدنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي، والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي
لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلا تُضعْ سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ
واسألْ نُجومَ اللّيلِ:هل زارَ الكَرَى جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟
لا غَروَ إنْ شَحّتْ بِغُمضِ جُفونها عيني وسحَّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ
وبماجرى في موقفِ التَّوديعِ منْ ألمِ النّوى ، شاهَدتُ هَولَ المَوقِفِ
إن لم يكُنْ وَصْلٌ لَدَيكَ، فَعِدْ بهِ أملي وماطلْ إنْ وعدتَ ولا تفي
فالمطلُ منكَ لديَّ إنْ عزَّ الوفا يحلو كوصلٍ منْ حبيبٍ مسعفِ
أهفو لأنفاسِ النَّسيمِ تعلَّة ً ولوجهِ منْ نقلتْ شذاهُ تشوُّفي
فلَعَلَ نارَ جَوانحي بهُبوبِها أنْ تَنطَفي، وأوَدّ أن لا تنطَفي
يا أهلَ ودِّي أنتمُ أملي ومنْ ناداكُمُ يا أهْلَ وُدّي قد كُفي
عُودوا لَما كُنتمْ عليهِ منَ الوَفا، كرماً فإنِّي ذلكَ الخلُّ الوفي
وحياتكمْ وحياتكمْ قسماً وفي عُمري، بغيرِ حياتِكُمْ، لم أحْلِفِ
لوْ أنَّ روحي في يدي ووهبتها لمُبَشّري بِقَدومِكُمْ، لم أنصفِ
لا تحسبوني في الهوى متصنِّعاً كلفي بكمْ خلقٌ بغيرِ تكلُّفِ
أخفيتُ حبَّكمُ فأخفاني أسى ً حتى ، لعَمري، كِدتُ عني أختَفي
وكَتَمْتُهُ عَنّي، فلو أبدَيْتُهُ لَوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْفِ الخَفي
ولقد أقولُ لِمن تَحَرّشَ بالهَوَى : عرَّضتَ نفسكَ للبلا فاستهدفِ
أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي
قلْ للعذولِ أطلتَ لومي طامعاً أنَّ الملامَ عنِ الهوى مستوقفي
دعْ عنكَ تعنيفي وذقْ طعمَ الهوى فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ
بَرَحَ الخَفاءَبحُبّ مَن لو، في الدّجى سفرَ الِّلثامَ لقلتُ يا بدرُ اختفِ
وإن اكتفى غَيْري بِطيفِ خَيالِهِ، فأنا الَّذي بوصالهِ لا أكتفي
وَقْفاً عَلَيْهِ مَحَبّتي، ولِمِحنَتي، بأقَلّ مِنْ تَلَفي بِهِ، لا أشْتَفي
وهَواهُ، وهوَ أليّتي، وكَفَى بِهِ قَسَماً، أكادُ أُجِلّهُ كالمُصْحَفِ
لوْ قالَ تِيهاً:قِفْ على جَمْرِ الغَضا لوقفتُ ممتثلاً ولمْ أتوقفِ
أوْ كانَ مَنْ يَرْضَى ، بخدّي، موطِئاً لوضعتهُ أرضاً ولمْ أستنكفِ
لا تنكروا شغفي بما يرضى وإنْ هوَ بالوصالِ عليَّ لمْ يتعطَّفِ
غَلَبَ الهوى ، فأطَعتُ أمرَ صَبابَتي منْ حيثُ فيهِ عصيتُ نهيَ معنِّفي
مني لَهُ ذُلّ الخَضوع، ومنهُ لي عزُّ المنوعِ وقوَّة ُ المستضعفِ
ألِفَ الصّدودَ، ولي فؤادٌ لم يَزلْ، مُذْ كُنْتُ، غيرَ وِدادِهِ لم يألَفِ
ياما أميلحَ كلَّ ما يرضى بهِ ورضابهُ ياما أحيلاهُ بفي
لوْ أسمعوا يعقوبَ ذكرَ ملاحة ٍ في وجههِ نسيَ الجمالَ اليوسفي
أوْ لوْ رآهُ عائداً أيُّوبُ في سِنَة ِ الكَرَى ، قِدماً، من البَلوَى شُفي
كلُّ البدورِ إذا تجلَّى مقبلاً ، تَصبُو إلَيهِ، وكُلُّ قَدٍّ أهيَفِ
إنْ قُلْتُ: عِندي فيكَ كل صَبابة ٍ؛ قالَ: المَلاحة ُ لي، وكُلُّ الحُسْنِ في
كَمَلتْ مَحاسِنُهُ، فلو أهدى السّنا للبدرِ عندَ تمامهِ لمْ يخسفِ
وعلى تَفَنُّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ، يَفْنى الزّمانُ، وفيهِ ما لم يُوصَفِ
ولقدْ صرفتُ لحبِّهِ كلِّي على يدِ حسنهِ فحمدتُ حسنَ تصرُّفي
فالعينُ تهوى صورة َ الحسنِ الَّتي روحي بها تصبو إلى معنى ً خفي
أسْعِدْ أُخَيَّ، وغنِّي بِحَديثِهِ، وانثُرْ على سَمْعي حِلاهُ، وشَنِّفِ
لأرى بعينِ السّمعِ شاهِدَ حسْنِهِ معنى ً فأتحفني بذاكَ وشرِّفِ
يا أختَ سعدٍ منْ حبيبي جئتني بِرسالَة ٍ أدّيْتِها بتَلَطّفِ
فسمعتُ مالمْ تسمعي ونظرتُ ما لمْ تنظري وعرفتُ مالمْ تعرفي
إنْ زارَ، يوماً ياحَشايَ تَقَطَّعي، كَلَفاً بهِ، أو سارَ، يا عينُ اذرِفي
ما للنّوى ذّنْبٌ، ومَنْ أهوى مَعي، إنْ غابَ عنْ إنسانِ عيني فهوَ في
سلطان العاشقين ابن الفارض عن حب امرضه واسقمه سقما شديدا بل قتله حيث يقول:
وقد علموا إني قتيل لحاظها... فإن لها في كل جارجة نصل
وحبه ليس له مثل ... كما أنه ليس لمحبوب مثل
وليس له بعد ولا قبل وهو حب سخي...مندفع يجود حتى بالروح
مالي سوى روحي وباذل نفسه...فى حب من يهواه ليس بمسرف
وللراحل  عبد العزيز محمد داوود  مدائح منها هذه الأبيات لعمر بن الفارض
أنتمْ فروضي ونفلي أنتمْ حديثي وشغلي 
يا قِبْلَتي في صَلاتي، إذا وَقَفْتُ أُصَلّي 
جَمالُكُمْ نَصْبُ عَيني إليهِ وجَّهتُ كلِّي 
وسِرّكُمْ في ضَميري، والقَلْبُ طُورُ التّجَلّي 
آنَسْتُ في الحَيّ ناراً ليلاً فبشَّرتُ أهلي 
قلتُ امكثوا فلعلِّي أَجِدْ هُدايَ لَعَلّي 
دَنَوْتُ مِنْها فكانَتْ نارُ المُكَلَّمِ قَبلي 
نُودِيتُ مِنها جِهاراً رَدّوا لَياليَ وَصلي 
حتّى إذا ما تَدانَى ال ميقاتُ في جمعِ شملي 
صارتْ جباليَ دكَّاً منْ هيبة ِ المتجلِّي 
ولاحَ سِرٌّ خَفيٌّ يَدْريهِ مَن كانَ مِثْلي 
فالمَوتُ فيهِ حياتي، وفي حَياتي قَتلي 
أنا الفقيرُ المُعَنّى رِقُوا لِحَالي وذُلّي





امرأة تغلب الحجاج بن يوسف الثقفي
قصة هند بنت النعمان مع الحجاج بن يوسف الثقفي ، والخليفة عبد الملك بن مروان
دروس في الذكاء والدهاء وكيد النساء
  على عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، كان الحجاج بن يوسف الثقفي أحد ولاته على الشام ، وكان الحجاج لا يرد له طلب سواء بالقوة أم بالرضى، فتزوج من امرأة اسمها هند، يحكى أنها كانت أجمل نساء زمانها قلبا وقالبا ودهاء وفطنة، رغما عنها وعن أبويها، وبعد مرور سنة على هذا الزواج غير المبارك، جلست هند أمام المرآة تستعرض جمالها أمام نفسها وتندب حظها وهي تقول:
وما هندُ إلا مُهْرةٌ عربيةٌ... سليلةُ أفراسٍ تحللها بغل
فإن أتاها مُهْر فلله درُّها... وإن أتاها بغل فمن ذلك البغل
و قيل : إنها قالت:
لله درّي مُهـــرةُ عربيـــــة...عُمِيت بليل إذ تَفخذها بغلُ
فإن ولدت مهراً فلله درها...وإن ولدت بغلا فقد جاد به البغل ُ
وقيل إنها تعمدت قول هذين البيتين متجاهلة أنها رأت الحجاج خلفها في المرآة، فقط ليطلقها وتتخلص منه
فسمعها الحجاج وغضب من قولها غضبا شديدا، فذهب إلى خادمه وقال له: اذهب إلى هند وبلغها أني طلقتها في كلمتين فقط ، لو زدت ثالثة قطعت لسانك ، وأعطها هذه العشرين ألف دينار، فذهب إليها الخادم فقال: لها :
" كُنْتِ ، فَبِنْتِ "
يعني كنت زوجته وأصبحت طليقته
ولكنها كانت أفصح من الخادم فقالت
كنا فما فرحنا ... فَبِنَّا فما حزنا
وقالت خذ هذة العشرين ألف دينار لك بالبشرى التي جئت بها
وقيل إنها بعد طلاقها من الحجاج لم يجرؤ أحد على خطبتها وهي لم تقبل بمن هو أقل من الحجاج
فأغرت بعض الشعراء بالمال فامتدحوها وامتدحوا جمالها عند الخليفة عبد الملك بن مروان فأعجب بها وطلب الزواج منها
وأرسل إلى عامله على الحجاز ليَخْبُرها له ..أي يصفها له ، فأرسل إليه يقول: إنها لا عيب فيها ، غير أنها عظيمة الثديين
فقال عبد الملك بن مروان :
  " و ما عيب عظيمة الثديين ، تدفىء الضجيع..و تشبع الرضيع "
فأرسلت إليه كتابا تقول فيه "بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، اعلم يا أمير المؤمنين : أن الكلب ولغ في الإناء ، فلما قرأ الخليفة عبد الملك بن مروان كتابها ، ضحك من قولها وكتب إليها قوله صلى الله عليه و سلم  " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب " فلما قرأت كتابه   لم يمكنها المخالفة وكتبت إليه تقول : " بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فإني لا أجري العقد إلا بشرط ، فإن قلت : ما الشرط ؟ أقول : أن يقود الحجاج محملي إلى بلدك التي أنت فيها و يكون حافي القدمين بلباسه الذي كان يلبسه قبل أن يصبح واليا " فلما قرأ الملك عبد الملك بن مروان الرسالة وافق على ذلك وأرسل إلى الحجاج يأمره بذلك ، فلم يستطع الحجاج الرفض ، و ذهب إلى بيت هند بنت النعمان و طلب منها أن تتجهز ففعلت ، فلما ركبت المحمل و ركب حولها جواريها و خدمها ترجل الحجاج و هو حافي القدمين و أخذ بزمام البعير يقوده و سار بها !! فصارت تسخر منه و تضحك مع خدمها و جواريها ثم قالت : لبناتها اكشفي لي ستارة المحمل فكشفنها حتى قابل وجهها وجه الحجاج فضحكت منه ، فأنشد هذا البيت
فإن تضحكي يا هند ، رب ليلة ... تركتك فيها تسهرين نواحا
فأجابتة بهذين البيتين
و ما نبالي إذا أرواحنا سلمت... مما فقدناه من مال ومن نسب
المال مكتسب والعز مرتجع.... إذا شفي المرء من داء ومن عطب
فبينما الحجاج يسوق الراحلة إذا بها تُسْقط من يدها ديناراً متعمدة ذلك ، فقالت للحجاج : يا جمّال لقد وقع مني درهم فأعطنيه
فأخذه الحجاج و قال لها : إنه دينار و ليس درهماً
فنظرت إليه و قالت : الحمد لله الذي أبدلني بدل الدرهم دينارا .
ففهمها الحجاج و أسرها في نفسه ، أي أنها تزوجت خيرا منه
و عند وصولهم تأخر الحجاج في الإسطبل و الناس يتجهزون للوليمة فأرسل إليه الخليفة ليطلب حضوره
فرد عليه نحن قوم لا نأكل فضلات بعضنا ، أو قال : ربتني أمي على ألا آكل فضلات الرجال
ففهم الخليفة قصده و أمر أن تدخل زوجته بأحد القصور ، و لم يقربها إلا أنه كان يزورها كل يوم بعد صلاة العصر
فعلمت هي بسبب عدم دخوله بها ، فاحتالت لذلك و أمرت الجواري أن يخبروها بقدومه لأنها أرسلت إليه في أمر ما
فلما رأته تعمدت قطع عقد اللؤلؤ، و رفعت ثوبها لتجمع فيه اللآلىء
فلما رآها عبد الملك...أثارته روعتها و حسن جمالها و ندم لعدم دخوله بها لكلمة قالها الحجاج و هي : ربتني أمي على ألا آكل فضلات الرجال
فقالت : و هي تنظم حبات اللؤلؤ....سبحان الله
فقال : عبد الملك مستفهما : لم تسبحين الله ؟
فقالت : إن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك .
قال : نعم
قالت : و لكن شاءت حكمته ألا يستطيع ثقبه إلا الغجر .
فقال : متهللا . نعم و الله..صدقت ، قبح الله من لامني فيك ، و دخل بها من يومه هذا


كل شيء ما خلا الله باطل .ون