الجمعة، 5 أغسطس 2011

الحب فى زمن أنفلونزا الخنازير


الحب فى زمن أنفلونزا الخنازير
بقلم سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم فى الدوحة
سليم عثمان
عنوان مقالنا هذا ،مقتبس من رواية الأديب العالمي الحائز على جائزة نوبل للآداب ،جابرييل غارسيا ماركيز (الحب فى زمن الكوليرا )التى صدرت عام 1985،وتروى أحداثها ،قصة رجل و امرأة منذ المراهقة ، وحتى بلوغهما سن السبعين ،وما دار حولهما فى منطقة الكاريبي من حروب أهلية وتغيرات مختلفة منذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتى بدايات القرن العشرين ،والرواية كتبت بأسلوب فريد، وبعبارات قصيرة جزلة عميقة، لا يجيد مثلها سوى أمثال ماركيز، والطيب صالح ،ولأن معظم أحداث الرواية حزينة وكتبت فى وسط حزين، فقد أضاف إليها الكاتب .فى زمن الكوليرا .
قد يعاتبى معاتب بقوله :أهذا وقت للكلام عن الحب ؟سواء كان فى زمن الكوليرا أو أنفلونزا الخنازير أو أنفلونزا الحمير، أعزكم الله أو حتى جنون البقر . ،وربما الكلام عن الحب يقودنا إلى الجنس الآخر ،فيجرح مشاعر البعض من قراء هذا الموقع الرائع ،فأرد بسؤال من عندي،فهل يجوز الكلام عن الحب فى كل أشهر الله الحرم وغيرها ونحرمه فى شهر بعينه ؟ او يوم ، أو ساعة من زمان ، الكلام عن الحب يحلو وقت السحر وعند المطر وفى فصل الربيع والخريف وفى المساءات الجميلة والصباحات الندية، على كل لم اسمع فتوى تحرم الحديث عن الحب فى وقت من الأوقات ، . ودونكم أكثر من ألف فضائية عربية تفتتح برامجها [باسم الحب وتختمها بذات الكلمة (مسلسلات وأفلام ).. .فى رمضان وفى غيره فمن الطبيعي ان نمتلئ بالأحمر الوهاج ومن البنفسج الفواح نملا الرئتين لتطير فى أعين من تتعلق قلوبنا بهم آلاف والنوارس البيضاء وملايين الغيمات الصغيرة فراشات ملونة زاهية ، لنعبر بها عن بعض وجد،ونرشف من كؤوس الحب حتى إذا ثملنا عدنا الى رشدنا ،نؤدي صلواتنا ونحن سكارى بحب الرحمن، ولأن خطر الإصابة بفيروس أنفلونزا الخنازير فى منطقتنا العربية أصبح محدودا ،فلا بأس أن نحب فى مواسمه وفى غير مواسمه حتى لا نختنق ،لكل الحق فى أن يحب ويعشق من يشاء وكيف شاء ومتى شاء ، ينبغي أن نعطي دون من او أذي لمن نحب ، لا ننظر جزاء ولا شكورا ، .
.. إلا أننا نؤمن أيضا بأن الحذر لا ينجى من القدر ، وأنا لاندرى ماذا نكسب غدا ولا تدرى نفوسنا بأى أرض تموت ، . .
وعودا إلى موضوع الحب فأنه يقع فى كل المواسم ،سواء كانت مواسم ربيع أو مطر ،أو أوبئة أو حتى (كتاحة ) والكتاحة عند السودانيين تعنى الأتربة والغبار الكثيف، فنقول طالما ليست هناك فتوى تحرم الكلام فى موضوع الحب، وطالما الدنيا صيام وحر وطالما هناك من يفترشون الأرض ويلتحفون السماء بسبب أحزانهم المختلفة وبسبب بؤسهم . ،وطالما هناك من يقومون بحل الكلمات المتقاطعة فى الصحف فى نهار رمضان، وطالما هناك من يركبون الحافلات فى خطوط طويلة لا بأس من كلام خفيف عن الحب ،فأنى ابتداء أعلن حبي لكل هؤلاء وغيرهم، وأدعوهم إلى سياحة خفيفة ، لن تجرح مشاعرهم بإذن الله .لكن حب المرء لوالدته لا يضاهيه حب فى الحب ولأنها رحلت عن دنياي قبل عام وبضعة أشهر فإن الدنيا تسود فى عيني لأنها رحلت دون أن أودعها ،كان الموت أسرع الى أنفاسها الزكية الندية من وقع أقدامي وخطواتي نحوها ،وهكذا حال الدنيا تحرمنا من أحب الناس ألى نفوسنا فعليها وعلى سائر نساء المسلمين ورجالها ألف رحمة ونور،ولا ينبغي أن نخصص يوما للاحتفال بمن صيرت الجنات تحت أقدامهن بل يجب أن نجعل كل أيامنا أعيادا لهن وبعد ذلك نقصر فى حقهن كثيرا جدا .
ستظل أسطورة الحب ملهمة للأدباء والفنانين والمفكرين والفلاسفة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهناك شبه إجماع بين الناس كلهم تقريبا (لم اجري استطلاعا لمعرفة النسبة المئوية )على أن الإنسان يمكن أن يشترى كل شئ بماله وجبروته، الإ الحب ،فالأم لا تستطيع أن تجبر بنتها على حبها وكذلك الوالد ،ولا أي شاب يمكن أن يحمل فتاة على حبه ، لماذا ؟لان القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء ،والحب قدر وطوفان تصاب به القلوب العاشقة فقط !!فطه حسين مثلا يرى( أن الحب لا يسأم ولا يمل ولا يعرف الفتور ، ويدعو كل محب إلى أن يلح فى حبه حتى يظفر بمن يحب أو يفنى دونه) وفى صيغة مبالغة تصل حد الكفر ،يقول دانتى .(الحب يحرك الشمس والنجوم )ومعلوم أن الشمس والنجوم تتحرك بأمر ربها ،أما العقاد فيصف الحب بقوله (انك لا تختار حين تحب ولا تحب حين تختار، وإننا مع القضاء والقدر حين نولد، وحين نحب، وحين نموت ) .أما محمود تيمور فيرى ضرورة ان يملأ الحب حياتنا وانه الروح الدافعة للإنسان للعمل المبدع الخلاق ،فإذا انعدمت هذه الروح فقدت الحياة أهميتها ، أترى أن كسلنا نحن معشر السودانيين يعود إلى أننا لا نعرف قيمة الحب ؟ذلك أن الحب ليس مقصورا على حب شاب لفتاة معينة أو رجل لأمراه ، بل يشمل حب الأم لأبنائها وهذا شئ فطرى وحب الأخ لأخيه والصديق لصديقة والموظف لمديره وكل فرد على وجه البسيطة للآخر وغيره من أنواع الحب ،وأسمى تلك الأنواع هو حب الله ورسوله (أظن أنني لم أجرح صيامكم حتى الآن،ولم أجعلكم تقولون ، اللهم أنى صائم ) لكن قولوها على كل حال .
إذن فالحب عاطفة سحرية يقع فى دوامتها العشاق ،حيث وصفه شوقي (الحياة الحب والحب الحياة ) ووصفه سقراط (بأنه شوق النفس الإنسانية الملح إلى الجمال الإلهي) ، والمحب لا يشتاق إلى التماس الجمال فحسب بل إلى إبداعه ونشره وزرع بذور الخلود فى الجسد الفاني ،وهذا ربما هو السر فى حب كل جنس للجنس الآخر ، والحب إذن هو أجمل مافى الحياة، ولولاه لما كان لهذه الحياة القصيرة الفانية مذاقها وحلاوتها ،وبالحب تغزل عمر ابن ابى ربيعة وسمي شاعر الغزل ،وعن الحب كتبت أجمل الروايات والقصص وأنتجت الأفلام فى أرجاء الكون، وفى كل يوم نسمع شابا أحب فتاة حتى الثمالة سرعان ما تفرقا ،لأننا دائما نتعجل الثمار لعدم معرفتنا بماهية الحب الحقيقي ،فكم منا أحب فتاة لشئ ما فيها ‘وعندما يذبل هذا الشئ يفتر الحب ،والحب الصادق هو من يلهمنا أدباء وشعراء وفنانين وعامة، لنكتب أعذب الأشعار ونعزف أجمل الألحان، ونرسم أبدع اللوحات ،بل نسوس الناس و الحياة كلها على قيم الخير والجمال والفضيلة ،فعلى سبيل المثال الحب هو من جعل طه حسين مبدعا وهو كفيف البصر، حتى ألف الأيام ودعاء الكروان ،لكن ذات الحب هو أيضا من أشقى قلوب العشاق فى الشرق والغرب ،خاصة الأدباء والفنانين منهم لأنها أشد حساسية ورقة وعذوبة من ملايين القلوب، وهو فى نفس الوقت القوة الدافعة التى تدفع هؤلاء الأدباء إلى أن يسجلوا آلامهم وأفراحهم، فى أعمال فنية بديعة ،هى كل عزائهم .وثروتهم، وقد تعذب العقاد كثيرا بقلبه وكانت له مع الأديبة اللبنانية الراحلة مي زيادة التى لعبت اخطر الأدوار فى مسيرته الأدبية، وأعطته من السعادة ما لم يكن يخطر له على بال، قصة حب مؤثرة وفيها قال : .
أعروس أحلامي وملهمتي معنى الحياة وفتنة السحر
كوني إذا ما شئت مفعمة حوريتي فى مقبل العمر
ويقول فى قصيدة أخرى بعنوان (إلى مي ..فى روما )
قبلتي يا مى فى ذاك الحمى أنت لا القبلة فى ذاك البناء
ورجائي اليوم فى مغربها وجهك الباسم لا وجه ذكاء
أرقب الليل إذا الليل سجا قلبا فيه على البعد لقاء
وأرود الشعر فى مثل الكرى فإذا فيه من القلب عزاء
أنت يا مى وهل أنت سوى حلم فى يقظة القلب أضاء
وتلقت مى هذه الأبيات وعبرت فى رسالة إلى العقاد عن هيامها وحبها له وختمتها بقولها ك(لقد أعجبتني أبياتك وأبكتنى )
وقد يقول قائل وما الحب الا للحبيب الأول ، فنقول إنه إن كان للأول أو الآخر ينبغى أن نسقيه ونرويه من مشاعرنا واحاسسينا ،ومن وقتنا وصبرنا وصدقنا، لكى تظل شعلته متقدة ولا تنطفئ أبدا ،وليس كل ما تعجب به بالضرورة حبيب،ولا تنتظر دائما اى عائد من الحب البشرى ،بل كن مثل الفراشة التى تحترق على ضوء المصابيح ، ..وكل عام وانتم بألف خير ونلتقيكم دائما على الخير والمحبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كل شيء ما خلا الله باطل .ون