الاثنين، 5 سبتمبر 2016

شبابنا الى أين؟(6)
بقلم : سليم عثمان

 الشباب هم عماد الأمة ، وهم بناة المستقبل ،  وفي ظل هذا الغزو  الثقافي  والاستلاب الحضاري الذي تعيش فيه أمتنا  ضاع كثير من  شبابنا  فيجد المرء بعضهم  يدمنون المخدرات  وبعضهم  أصبحوا عاطلين عن العمل  يهيمون على وجوههم في الشوارع ، وهنا تلام الدولة التي  لم توفر لهم سبل شريفة لكسب العيش  فارتفعت العنوسة بين الشباب من الجنسين، واخرون يهدرون أوقاتهم في لهو برئ أو غير برئ في وسائط التواصل الاجتماعي  ،  تقع على عاتق الدولة مسؤولية  الارتقاء بالحالة الاجتماعية للشباب وتأمين حقهم في الحياة الكريمة، وذلك بتوفير حاجاتهم المادية والروحية، وتلبية ضروراتهم الأساسية ولاسيما المسكن والزواج وفرص التعليم والعمل والصحة. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
إن شبابنا  الذي يفتح الله على قلوبهم  في هذا الزمن  مع كثرة المغريات، لا شك أنهم  إذا حفظوا انفسهم، وحفظوا شهواتهم، وخالفو الهوى فإنهم بذلك  يكونون  ممن ربط الله تعالى على قلوبهم. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال لرجل وهو يعظه : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ).
 الشباب فترة عمرية محدودة إن لم نكسبها ندمنا في شيخوختنا  وما أجمل ما قال سيدنا علي كرم الله وجهه في هذا الصدد:
بقدر الكد تكتسب المعالي ... و من طلب العلا سهر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلا ... يخوض البحر من طلب اللآلي
لنقل الصخر من قلل الجبال ... أحب إلى من منن الرجال
و قالوا: للفتى في كسب عار ... فقلت: العار في ذل السؤال
إذا عاش الفتى ستين عاماً ... فنصف العمر تمحقه الليالي
و ربع العمر يمضى ليس يدري ... أيقضى في يمين أو شمال
و ربع العمر أمراض وشيب ... و شغل بالتفكر والعيال
فحب المرء طول العمر قبح ... و قسمته على هذا المثال
 نعم الشباب هم  باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله، كما أن أطيبَ الثمار بواكيرها، وما بكت العربُ على شيء كما بكت على الشباب، وما بكى الشعراءُ من شيء كما بكوا من المشيب ويقول الشاعر العربي:
ذا قيل: من فتى؟ خلت أنني . ...عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
وهذا الشاعر أبو العتاهية  يتحسر على ضياع  شبابه فيقول:
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني... فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيب 
          فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ... نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضا... كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْما... فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ
على الآباء والأمهات  ومؤسسات التربية والتعليم ووسائل الاعلام المختلفة دور كبير في توجيه شبابنا
 وينشأ نـاشئ الفتيان فينا... على ما كـان عوده أبوه.
 عالمنا اليوم مليئ بالتحديات والمؤثرات فحري بنا أن نعمل على تحصين شبابنا في وجه هذا الغزو الثقافي الذي يستهدف دينهم وعقيدتهم ومستقبلهم ،  الأسرة مسؤولة مسؤولية مباشرة على تنشئة أبنائها ، الحكومة مسؤولة أيضا والمؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية ودور العبادة مسؤولة عنهم. فوجود القدوة الحسنة مهم جدا لشبابنا،  شبابنا اليوم لا يرون الا في صغار الفنانين وأشباه اللاعبين قدوة حسنة لم يعد رسولنا الكريم ولا الصحابة الأجلاء عليهم رضوان الله قدوة حسنة لهم ، أعلامنا  الهابط هو قدوتهم ، الشباب ثروة عظيمة إن أحسنا استغلالها وتوظيفها وثروة الأمم ليست في  الذهب الأبيض  ولا في الذهب الأسود ، وإنما في الإنسان فهو أغلى من كل شيء ، وأعظم ما يكون الإنسان في حالة الشباب لأن حالة الشباب هي مرحلة القوة والعطاء ، فالشباب قوة بين ضعفين ، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قول الله  تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وشيبة)  ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ما عمل فيه) ويقول رسولنا الكريم : نصرني الشباب حين خذلني الشيوخ، وهذا الإمام الشافعي رحمه الله، الذي وضع علم أصول الفقه ، ولد في مدينة غزة و مات في الخمسين من عمره ، وضع كل هذا الفقه الذي بين أيدينا اليوم  في شبابه ،و هو الذي يقول عن نفسه :
 أنه ما كان عبداً لمال ، ولا لجاه ،ولا يُتبع نفسه شيئاً  من هذا ، حيث يقول في ديوانه : 
أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب ...  وفيضـى آبار تكرور  تبرا
أنا إن عشت لست أعدم قوتا  ... وإذا مِتُّ لست أعدم  قبرا
 همتي همة الملوك ونفسي   ...  نفس حر ترى المذلة كفرا
فالله الله في شبابنا.

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كل شيء ما خلا الله باطل .ون