الأحد، 8 مايو 2016

حوار مع الصحفي السوداني/ سليم عثمان أحمد خيري


من قلم سليم عثمان احمد خيري تنثال النصوص و تومض رؤاه حتى تبتلّ كتابته بفكره المتوقد...يكتب إيمانا و احتسابا بالإنسان و الإنسانية... ينسف الصمت مؤمنا بحرية التعبير و ضرورة انفتاح الرأي على الرأي الآخر...كان لنا معه الحوار التالي:
*في البدء، هل يحدثنا سليم الكاتب عن سليم الإنسان: نشأته/بداياته/مسيرته ؟

شكرا لك أختي الأديبة الرقيقة عزيزة رحموني لإتاحتك لي هذه الفرصة  الطيبة للتعريف بشخصي الضعيف ، سيدتي بإختصار شديد إسمي سليم عثمان أحمد خيري(شهد)من زيتونة مباركة تخلقت وأستطالت وأورقت وأخضرت أطرافي ومن عطرتلك الزيتونة المباركة جرى دمي وتفجر، أنا شقيق الفجر المسجّي على خدّ الأفق الوردي. فىتلك القرية الوادعة الرابضة على خدّ النّيل الغربي ،ذلكم النهر الهادر الفيّاض شمال مدينة دنقلا بالولاية الشمالية أقصى شمال الزورات ، أطلعت كما نخل أخضر باسق فى أحد صباحات تلك القرية الوادعة عام 1966 بعد تمنع من عيني لمعانقة النّور لمدّة سبعة أيام حسوما وحينما أبصرتا النور للمرة الأولى داخل مستشفى دنقلا التعليمي ولم يكن تعليميا يومذاك أشارت القابلات (الممرضات )على والدتي بأن تسمّيني سليما،لأن معاناة مخاض أسبوع كامل تستحق ذلك ..وبالفعل فقد سُمّيت بهذا الإسم الذي لازمني الى يومي هذا مع العلم بأن عدد من تسموا به فى السودان قليل جدا والغريب أن السّليم فى القاموس المحيط هواللَّديغُ، أو الجَريحُ الذي أشْفَى على الهَلَكَةِ، بل والسّالِمُ من الآفاتِ وفى لسان العرب ،امرأة عاتكة: مُحْمَرَّة من الطِّيب، وقيل: بها رَدْعُ طِيبٍ، وسميت المرأَة عاتكة لصفائها وحُمْرتها وفي الحديث: قال، صلى الله عليه وسلم، يوم حنين: أَنا ابن العَواتك من سليم والعواتك: جمع عاتكة، وأَصل العاتكة المُتَضَمِّخة بالطيب. والعواتك من سليم ثلاث يعني جداته، صلى الله عليه وسلم، وهنّ عاتكة بنت هِلال بن فالَج بن ذَكْوان أم عبد مناف بن قصيّ جدّ هاشم، وعاتكة بنت مُرّة بن هلال بن فالَج بن ذكوان أُم هاشم بن عبد مناف، وعاتكة بنت الأَوْقَص بن مُرَّة بن هلال بن فالَج بن ذكوان أُم وهب بن عبد مناف بن زُهْرة جد رسول الله، صلى الله عليه وسلم وقال الشاعر:
وطِيرِي بمِخْرَاقٍ أشمَّ كأنه ... سليمُ رِماحٍ لم تلده الزَّعانِفُ .
هكذاهمس خيال تلك القرية الكبيرة الوادعة التى تسمى الزورات فى أذنى ساعة بزوغه بمسقط رأسي حلة (شهدي)حين أرخي ليلي الأول عباءته على وجهي والتحم بروحي وعزف من قيثار غاياته ،عشت طفولة عادية فى تلك القرية البسيطة ، بساطة أهلها، وسط إخوان ثلاث أنا رابعهم وأصغرهم وأخت وحيدة تصغرني، فقدت والدي وأنا لم أدخل المدرسة الأبتدائية بعد ،بالطبع لم يكن فى قريتي وقتذاك حضانة أو روضة أو (كجي ون وتو) حتى أنتقل منها للمدرسة،نشأت فى بيئة زراعية خضراء للغاية ،نخيل باسق يكاد يعانق السماء على ضفاف النيل ،ونبات ذرة وقمح يتمايل مع النسيم العليل، يقطر الندى ليبلل أوراقه مع الصباحات الندية، التى طالما حدّثتني عن صبابات الورد وتوق الندى وإنبثاق الوجد فى طقس الليالي ،وكان بالقرب منا بستان وريف مزهرمليئ بشتى أنواع الفواكه ،من مانجو وليمون وبرتقال ويوسفي ورمان ورطب جني ودوم،كانت بداياتي نحو الحياة فى تلك القرية الجميلة كبدايات كل أقراني ،حيث مشيت خلف أغنام الأسرة راعيا لها فى صغري، كنت صديقا للنّهر العظيم الذي كان منزلنا العامر يرقد فى حضنه،تعلمت السباحة فيه وأنا صغير بل كنت من القلائل الذين عبروا الى الضفة الشرقية سباحة فى نهار شاتٍ،رغم تحذير الأهل لي من التماسيح التى كانت تتتكاثر فى تلك المنطقة، وتيارات النهر الجارفة فكثيرا ما تنامى الى سمعي أنها التهمت أناسا، وقد رأيت أكثر من مرة تمساحا أبيضا طويلا ،كان ينام أسفل تلّة لا ترتفع عن الأرض إلا بنحو نصف متر ،وكان ينزلق الى النهر حينما يشعر بوقع أقدام الماعز والضأن التى كنت ارعاها تقترب منه ، وحتى يومي هذا لم ار تمساحا لونه أبيض ،وفى المدرسة الإبتدائية كنت من المميزين،وكنت أحب اللغة العربية،بل كنت أقوم بحفظ الأناشيد أثناء الحصة ،وكنت بارعا فى تلحينها، واذكر أن ميولي نحو مهنة البحث عن المتاعب ظهرت من خلال نشيد فى الصف الثالث الإبتدائي شدّني خاصة بيت منه يقول :
انني طفل صغير اتخذت العلم نورا
يا ترى ماذا أصير عندما أغدو كبيرا؟
هل ترى أغدو أديبا أو صحافيا شهيرا؟
وفى مدرسة جرادة المتوسطة وهي قرية أخرى جميلة تجاور قريتي من ناحية الجنوب صِرت مولعا بالجمعيات الأدبية ومشاركا رئيسيا فيها بل تفتقت فى تلك المرحلة هواية وموهبة قراءة نشرات أخبار كوميدية هزلية ساخرة،وفى تلك المرحلة بدا لي أنني يمكن أن أكون فنانا وبدأت بالفعل فى تقليد بعض الفنانين، سرعان ما جذبني أصدقاء أعزاء الى تيار الإسلام السياسي (جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الدكتور حسن الترابي) وحينما وصلت الى مدرسة دنقلا الثانوية فى بدايات الثمانينات وكان يومذاك من كبريات مدارس السودان كان قد تمَّ تجنيدي عضوا فاعلا فى صفوف الحركة الطلابية الإسلامية بل وأصبحت ثاني رئيس لاتحاد طلابها خلفا للزميل عبد المنعم سليم الذي أستقال بعد أشهر قليلة من انتخابه، وفى تلك المرحلة أيضا ظهرت قدرات خطابية لي ، تخرجت فى كلية الإعلام تخصص صحافة ونشر بامتياز من جامعة أمدرمان الإسلامية، وكانت أولى الصحف التى عملت فيهاعام 1986 هي صحيفة السوداني لصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ محجوب عروة ،ولا تزال حتى الان تصدر بعدما غادرها عروة، وكانت صحيفة السوداني قد أوقفت ضمن صحف أخرى صبيحة انقلاب المشير عمر البشير فى 30 يونيو 1989 ثم عملت في (صحيفة الإنقاذ، لسان حال الثورة ، وبعد حلّها عملت في صحيفة السودان الحديث لأشهر معدودة قبل أن التحق بصحيفة الأنباء وهي الصحيفة التى جمعت معظم محرري ومحررات صحيفتي الإنقاذ والسودان الحديث ، ثم غادرتها الى صحيفة الأسبوع لمالكها ورئيس تحريرها الزميل الدكتور محي الدين تيتاوي ، ثم انتقلت الى صحيفة الشارع السياسي لصاحبها ورئيس تحريرها الزميل الأستاذ محمد محمد أحمد كرار،حيث عملت فيها مديرا أول للتحرير، قبل أن أجرب العمل التلفزيوني فى فضائية السودان محررا بالإدارة السياسية ومديرا لتحرير مجلة فضاءات دولية،وهي مجلة ثقافية تصدر عن مؤسسة التلفزيون،وقت ان كان المهندس الطيب مصطفى مديرا للتلفزيون السوداني ،هجرت السودان بل غادرته شتاء 1999 رفقة حرمي المصون الأستاذه فاطمة ميرغني التى أختيرت معلمة لمادة الرياضيات وقتذاك ولا زلت مقيما بالدوحة لي من الأبناء الاء طالبة بكلية الصيدلة جامعة قطر ومحمد يستعد لدخول الجامعة هذا العام وإيلاف اكملت الصف الأول الثانوي وأحمد أكمل الصف الخامس واخر العنقود ايات اكملت صفها الرابع الابتدائي ،أمارس الصحافة بصفة الإحتراف منذ عام 1985ووقتنا الذي لاندركه دوما يستحثنا لأن نخطوتجاه الضياءوأن نمحو من ذاكرتنا كل ألم وحزن وأن نحرث ونبذر ونصلّي حتى ينهمر مطر الروح فتتفتق وينتفض الأخضر فى دواخلنا ويتطاول ليعلن صحوة مرتجاة،، يستحثنا يومنا الذي لا نعبره أن نفهمه وأن نغنيه أغنية فى الصباح وفى المساء،هذا ؟ بأختصار يا سيدتي .
*سليم عثمان كيف يُقَطّر ورد الأنفس الحيرى ؟
ورد الأنفس الحيرى مقال كتبته حول كائن رقيق شفيف لا يزال يشغل الناس والدنيا وسيظل الى أن يرث الله الأرض ومن عليها كتبته عن المرأة (الأم ، الأخت ، الحبيبة،ملهمة الشعراء والفنانين، يكفي أن أشير هنا الى فقرة صغيرة أوردتها فى ذلك المقال وهي:
قال ابو جعفر البغدادى :كان لنا جار وكانت له جارية جميلة وكان شديد المحبة لها ،فماتت فوجد عليها وجدا شديدا ،فبينما هو ذات ليلة نائم إذا أتته الجارية فى نومه ،فأنشدته هذه الأبيات:
جاءت تزور وسادى بعد ما دفنت... فى النوم ألثم خدا زانه الجيد
فقلت قرة عينى قد نعيت لنا ... فكيف ذا وطريق القبر مسدود
قالت هناك عظامى فيه ملحدة ... تنهش منها هوام الأرض والدود
وهذه النفس قد جاءتك زائرة ... فاقبل زيارة من فى القبر ملحود
والمرأة بإختصار هى كل شئ فى الحياة والذين لا يرونها هكذا نقول نذكرهم بقول ايليا أبو ماضي:
أيهذا الشاكي وما بــك داءٌ كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شرَّ الجناة في الأرض نفسٌ تتوقَّى قبل الرحيل الرحيلا
وترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا
والذي نفسه بغير جمـــالٍ لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
فتمتع بالصبح ما دمت فيـه لا تخف أن يزول حتى يزولا
ولمن أراد الإطلاع على مقالنا ذاك حول المرأة بعنوان( ورد الأنفس الحيرى ) نحيله الى هذا الرابط لقراءته:
http://alnoor.se/author.asp?id=2235
*إذا كان العالم مجنونا و وحدك العاقل، كيف تتصرف و كيف تنتج حكمة تلُمّ شمل الجميع؟
العالم الذي نعيش فيه اليوم لاشك هو عالم الجنون بإمتياز، فما يحدث فيه من تقتيل للأبرياء فى سوريا وفى العراق وفلسطين وأفغانستان، وغيرها من البلدان شئ يشيب له الولدان ، عالم لا تسوده الرحمة ولا الحكمة ولا المنطق السليم ،عالم القوي فيه أكل والضعيف مأكول ،عالم تضهدنا فيه الليالي وتهمي علينا من كآبتها وحزنها ما تعجز صدورنا على تحمله، فنتركها تحفر فيها وتحط ما يلذ لها من أوجاع ، ولذلك يقول المثل عندنا: (المجانين فى نعيم) لأنهم لا يحسون بما يجري حولهم ، لم أستثن نفسي من هذا الجنون ،بقدرما حاولت أن أسخرمنه ،ومع ذلك نقول: مرحى لطقسنا الجنوني ،مرحى لنا حين نخلع ثوب التعقل ونلوذ بجبال الدهشة والحيرة المشتهاة ، نحاول فى هذا الزمن الضبابي -بل الأسود -الإرتداد إلى الزمن الأول الجميل ،زمن البراءة والطيبة والنقاء ،قبل تشكل وعينا الأول ، قبل أن تسمرنا القوانين والمثل، التى داس عليها الكل حُكّاما ومحكومين (بالنّعال) أعزكم الله ،قبل أن نصلب بالواجب والممكن والمفروض ،قبل أن تهترئ ذواتنا من الجلد ، يا لهذه النفس يا لعذاباتها التى لا تنتهي يا لصهيلها الذي لا يهدأ، فى زمن كهذا يتساءل المرء من أين لنا ببذور خضراء نزرعها فى يباب أيامنا الفالتات ؟ أحلامنا ما عادت زوادة فى لهيب أيامنا هذه ما عادت تروي الظمأ ولا ذكرياتنا التي جفّت كينابيع مياهنا ما عدنا نستقي منها الإ الجفاف نتداوى به ونصفه للمرضي المحزونين فى كل مكان فيزيدهم حزنا ويحيلهم هياكل من وهن كما يحيلهم رصاص الحكام الى رماد ، لعل الرحيل شفاء ، اه ما أقسى الجفاف فى الزمن الضنين المجنون هذا وما أحلى الجنون ساعة مولده فى الذات فلا ممكن الا هو يحيل الايام الاليمة الى صفاء والوعي المعذب الى التلاشي ، ليس هناك عاقل واحد يمكن أن يجمع شمل امة مجنونة أمة هى خير أمة أخرجت للناس ولكنها للأسف أصبحت أمة عاجزة كل العجز لتتسامي وتضع نفسها حين أراد خالقها لها .
* إذا أُهديتَ قارورة حِبر، لكن الومضة لم تجئ، ما تفعل ؟
فى أيامنا الحالكات هذه الومضة دائما لا تأتي،فلو أراد كاتب أن يكتب مقالا ما مثلا يمزق الورقة التى يسودها عشرات المرات قبل أن يكتب شيئا مفيدا ، لانه مشتت الذهن، مشوش الخاطر، واهن العزيمة، خائف مرتعش مرتجف، من رقيب حقيقي، يمنعه من تناول هذا الموضوع أو ذاك ، بل يلجمه رقيب تربّى وسكن دواخله، فحينما يكون كل ما حول المرء مجنونا ،وحريقا كبيران يسكب المرء قارورة حبره فى انتظار أن تومض فكرة جديدة وتختمر فى ذهنه حتى يسيل بها يراعه، حتى الشعراء لم يعودوا قادرين على التعبير عما يجول بخواطرهم قريضا لان ليلهم أمسى بلا وجوه ولا أحاديث تسر ولا سمر ليل بلا أقمار ليل مدفوع الثمن ليل مفتتح رحيله الى مدائن لم تبن بعد مدائن بلا عيون تجلجل فيه ضحكة إمرة ضيّعت مسارها وتكاد تضيع شرفها ساعة تجرعت قهوتها بين الصحاب أنة ذئبة باحت للذئاب بسرها .
* السودان بلد ثري بترابه و سواعد أهله ، لكن اقتصاده يظل هشا لماذا؟
السودان منذ فجر إستقلاله فى حروب لا تنتهي فبعد حرب ضروس قضت على أخضر ويابس السودان أستمرت منذ عام 1955 أو قبلها بقليل فى جنوب السودان مات فيها قرابة مليوني مواطن سوداني قضت اتفاقية وقعت فى منتجع نيفاشا الكيني عام 2005 بأن تضع الحرب أوزارها وبمنح مواطني الجنوب حق تقرير مصيرهم إنفصالا أو وحدة مع السودان، وقد اختاروا الإنفصال وأسسوا دولة لهم فى ثلث مساحة السودان وبربع موارده وتكمل الدولة الوليدة عامها الأول هذه الأيام ، كان هذا فشلا طبيعيا للنخبة السودانية المثقفة والسياسية،وللأسف الشديد لم يجلب الإنفصال سلاما لشطري السودان الشمالي والجنوبي،فقبل شهر كانت الحرب على أوجها بين البلدين، وأوقفت دولة الجنوب ضخ نطفها عبر أنابيب الدولة الأم بسبب عدم الإتفاق على سعرهذه الخدمة بين البلدين، الان هناك حرب تدور فى دارفور و النيل الأزرق ،وجنوب كردفان، فى وقت تمضي فيه مفاوضات بين السودان وجنوب السودان على ظهر سلحفاة لتبحث جملة من القضايا العالقة والشائكة كقضايا الحدود والأمن و تقاسم المياه والجنسية والنفط معلوم ان 75% من نفط السودان آل الى الدولة الجديدة، السودان كان واحدا من اكبر بلدان القارة السمراء مساحة بل كان الأكبر على الإطلاق،بلد غني بموارده وخيراته المتمثلة فى أراض خصبة مدّ البصر تنبت حتى الحصي،يشقه أطول أنهار العالم نهر النيل، لديه مئات الملايين من رؤس الانعام(أبل ، ضأن ماعز أبقار) وثروات غابية وصمغ عربي ومع ذلك يستجدي السودان قوت مواطنيه من خلف البحار،مشكلة السودان تكمن فى النخبة التى لم تعرف بعد أكثر من نصف قرن الحروب كيف يتم التداول السلمي للسلطة بل كيف يتعايش اهله بنفوس طيبة فى هذا الفضاء الأفريقي الكبير،والى أن يقيض الله لهذا البلد خيرة ابناءه للنهوض به سنعمل ما بوسعنا حتى نساهم فى التغيير المنشود،لكن السلطة الإنقاذية الحاكمة حاليا لا تسمح حتى بمجرد نقد رموزها فى وقت يستشري فيه الفساد وينخر فى كل جسد الدولة وفى وقت يقترب الجوع الى بطون السواد الأعظم من أطفاله، هذا قدرنا وعلينا مواجهته بشجاعة وحكمة.
*كيف يساهم مثقّفوا السودان في حل مشاكل طرَفَيْه ؟
كما ذكرت لك انفا المثقفون هم أساس المشكلة،فهم إما أناس يتخبطون فى الداخل حاما ومعارضين للسلطة أو كوادرصرفت عليها الدولة الشئ الكثير فغادرت البلاد طوعا أو مرغمة ،السودانيون اليوم فى كل المنافي والمهاجر بدءا من الخليج مرورا بأوربا وليس إنتهاء بالأمريكتين واستراليا،تصوري شاعرا كبيرا كالشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري ،الذي رفع اسم السودان عاليا فى محافل أدبية عديدة،لا ترعاه الدولة فى مرضه ولا تجدد له جواز سفره ومشكورة المملكة المغربية تمنحه أقامة فى أرضها رغم مخالفته لقوانين وأنظمة الإقامة،وهو القائل :
دنيا لا يملكها من يملكها 
أغنى أهليها سادتها الفقراء 
الخاسر من لم يأخذ منها 
ما تعطيه على استيحاء 
والغافل من ظنّ الأشياء
مثله كان اأديب والروائي العالمي الطيب صالح صاحب رائعة موسم الهجرة الى الشمال عاد جسدا ميتا الى السودان،السودانيون اليوم علماء كبار وخبراء فى المنظمات الاقليمية والدولية يبنون بلدان الاخرين وينسون بناء وطنهم حالهم لا يسر أحدا. 
كيف تُقَيِّمُ جروح السودان ؟
تتقاطر أسئلة شتى تلف النفس السودانية المتعبة وتغلفهابرغبة مجنونةللمعرفة والهدوء والفرح فلا تجني الا سياطا من قلق فجروجنا كثيرة بل ومتقرحة ومندملة نحاول عبثا ان نكتب تعاويذ تمنح انفسنا شيئا من السلام والرضا نحاول احياء الجزء المهزوم والمجروح فينا نحاول تقويم انكساره نحاول تغيير المستحيل ونبحث علّنا نجد لنزف أرواحنا المتعبة في السودان عقارا يسكن أآلامها جروح السودان ليست فى المظاهرات التى تقمع اليوم ولكن فى فشل نخبنا وحكامنا فى نزع الاسى عن نفوسنا وغرس شقائق النعمان فى عيوننا .
قضاياالبيئة/الطفولة-المراة/ حقوق الانسان تستدعي تكريس الجهد لإنجاح مخططاتها ، هل نجح السودان في رسم خارطة طريق لهذه القضايا ؟
لا أظن أننا فى السودان نجحنا فى رسم خارطة طريق لأى من هذه القضايا فالطفولة على سبيل المثال فى بلدنا طفولة بائسة ولا تزال الزهرات يخفضن لأن القوانين وحدها لا تحارب عادة الخفاض المتأصلة لمئات السنين فى بلد كالسودان ، المرأة فى السودان أيضا لم تتبوأ المكانة التي تليق بها بل تُجْلَد في الشارع إن تجرأت وارتدتْ بنطالا ، مشاركتهن فى السلطة مشاركة شكلية وصورية وديكورية فى معظم الأحيان ، رغم ان السودانية بطبعها نابهة ومتفوقة فى كل مجال ترتاده 

بيئتنا هي الأخرى تهدر مواردها الطبيعية .فغابات السودان لا أحد يهتم بها والحياة البرية التي كان يذخر بها السودان في أفريقيا كلها تناقص عدد الحيوانات التي كانت ترتع في بواديه وسهوله وغاباته مثل الاسود والنمور والأفيال والغزلان وغيرها بفعل الصيد الجائر وعدم الحماية الكافية حتى أصبحت مهددة بالإنقراض داخل محمية الدندر الطبيعية التى لا تجد هي الأخرى الرعاية اللازمة.

أما الحديث عن حقوق الإنسان يكفي أن أشير الى أن رئيس الدولة عندنا وكبار معاونيه مطلوبون فى محكمة الجنايات الدولية على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان فى السودان ، يكفي القمع الذي يجري بحق المتظاهرين الان فى الشارع السوداني والإعتقالات اليومية حتى بلغ عدد الموقوفين دون محاكمات خلال أسبوعين من التظاهر السلمي أكثر من الفي ناشط وصحفي،ملف حقوق الإنسان فى السودان ملف قميئ لا ننصح بالاطلاع عليه .
* بين الشارع السياسي و الشارع الادبي كيف تنسجم الخطى من اجل مسيرة سليمة سلمية نحو الأفضل؟
الشارعان السياسي والأدبي فى تقديري وجهان لعملة واحدة كلاهما ينشد التغيير نحو الأفضل فى عالمنا العربي،فكما تعمل النخب السياسية على احداث التنمية المنشودة تهتم النخب الأدبية والمهتمون بمختلف أنواع الاداب والفنون بتشكيل وجدان هذه الأمة فالشاعر ينشد الخير والجمال لامته تماما كما السياسي الذي يُعد الأمة بالبناء والتغيير ولابد أن تتكامل الأدوار بل لا ينبغي أن يمارئ الأديب السياسي من أجل منصب أو غيره بل لابد أن يوظف ضرب الفن الذي يجيده لمصلحة الأمة وحدها،لسنا بحاجة لشعراء وكتاب وفنانين مطبلين مداح.
وقد اثبت الأدباء والفنانون في ثورات الربيع العربي انهم فصيل رائد وأصيل فى مسيرة التغيير التي تنتظم أولاد العرب من مغربها الى مشرقها.
مجتمعاتنا نفتح و تتغير عاداتها و تسقط مبادئها تباعا. و من الآفات التي تنمو كالفطر وسط الشباب، نجد التحرش سائبا ، كيف نتعاطى مع الظاهرة و كيف نحاربها ؟
ليس التحرش وحده ما تعاني منه مجتمعاتنا ،النسيج الاجتماعي كله يتمزق فى مجتمعاتنا العربية والاسلامية، لذا فالتحرش مجرد عرض لما اصابها من وهن وضعف وتصدع ،الاسرة اليوم ليست كالأسرة بالأمس واولاد وبنات اليوم ليسوا بالطبع كأولاد وبنات الأمس ،صحيح أن الوسائل التقنية المختلفة غيّرت كثيرا من مفاهيمنا ،لكننا لم نحسن استخدامها لم تعد لدينا المناعة الكافية لامراض العولمة، والتحرش لم يعد حكرا على الشباب والرجال بل الفتيات والنساء يقمن فى بعض البلاد بمجاراة الرجال فيه ، للمزيد حول موضوع المرأة احيلك الى مقالي بعنوان هل من رجل يتحرش بي فى موقع وكالة أنباء المرأة
على الرابط التالي:
http://wonews.net/ar/index.php?act=post&id=1543
* في العالم الإسلامي...يصيبنا بين الحين و الحين وابل من الفتاوى الغريبة، ما دور الإعلامي في تحجيم/صدّ او نشرهذه الفتاوى خصوصا تلك التي تخزنا في الصميم كإرضاع الزميل في العمل أو زواج الطفلة و زواج المسيار و ما شاكَله ؟
ليس أدق على تصوير واقع الفتوي فى الدول العربية من تلك الواقعة التى حكاها الزميل خالد القشطيني حيث قال: أنه قبل سنوات سأل إمرأة ساقطة في احدى العواصم العربية. كانت محجبة ومحتشمة في زيها ومظهرها وتقيم الصلاة في اوقاتها والصيام في أيامه. سألها عن هذا التناقض. قالت ذهبت الى دار الافتاء واستفتيتهم. اجابوني بأن الله غفور رحيم، وحالما أتوب من هذا العمل واستغفره سيغفره لي على ان احافظ على اداء الصلاة. فترك الصلاة لا يغتفر- قالوا لها. وهكذا واظبت على البغاء ليلا واداء الصلاة نهارا، هناك من أفتي حق «مضاجعة الوداع» مع زوجته المتوفاة ، وهناك من أفتي بإرضاع الزميل فى العمل أو السائق فى البيت،وهناك من أفتى بزواج الطفلات،وهناك من أفتي بزواج المسيار والإيثار وغيره،بل هناك من أفتى بتحريم لبس الستيان (صدرية النهدين) على النساء.لأنه يؤدي الى غش الرجال بحجم ثدي الفتاة وشكله! أسوة بحملة «حرق الستيان»bra burning التى وقعت قبل سنوات كخطوة نحو تحرر المرأة ومساواتها بالرجل. وهناك من أفتى بتحريم لبس سراويل الجينز لأنها تنطوي على تشبه بالكفار، بل هناك من أفتي بحرمة لبس ربطات العنق لأنها عقدتها تشبه صليب الكفار، وهناك من أفتي على النساء والفتيات بحرمة الجلوس أمام جهاز كومبيوتر مزود بخدمة الأنترنيت بدون محرم خشية أن تتم غوايتها في الدردشة. وهناك فى المغرب فتوي أجازت للأبوين تزويج بناتهن القاصرات معللا ذلك بان السيدة عائشة تزوجت فى سن التاسعة، وهناك من أفتي باستخدام المكياج للرجال يجوز بشكل عام، سواء كانت الوظيفة تتطلب ذلك، أو لإخفاء بثور في الوجه، أو حتى للتجمّل، لأن الله جميل يحب الجمال»وهناك من أفتى بجلد الصحافيين ثمانين جلدة إن كتبوا خبرا غير دقيق. الفتوي تحتاج أختى العزيزة فى بلاد المزيد الى مزيد من الضبط.
هل تتصور نوبل للإسلاميين ؟
الاسلاميون الذين صعد نجمهم هذه الايام بعد أفول طويل لن تزيدهم نوبل بمختلف تفرعاتها شرفا بل سوف تتشرف نوبل بهم إن أحسنوا قيادة الأمة فى بلدانهم ليس من خلال الشعارات البراقة من شاكلة (الاسلام هو الحل)وإنما إنزال قيم السماء فى واقع الناس بشكل عملي ومقنع فهم فى تحد كبير فى تونس من خلال حزب النهضة برئاسة الرجل المستنير الشيخ راشد الغنوشي ،وفى مصر التى وصل فيها الدكتور محمد مرسي الى كرسي رئاسة الجمهورية،وفى ليبياوسوريا والمغربفى كل هذه البلدان وغيرها الاسلاميون بحاجة الى أن يثبتوا لشعوبهم بأنهم ديمقراطيون وبأنهم دعاة دولة مدنية عصرية تمنح المواطنين كافة الحقوق وتوفر لهم الحياة الكريمة ،واليمنية توكل كرمان اول عربية تحصل على جائزةنوبل للسلام أكدت قدرة الأسلاميين على مقارعة غيرهم وبزهم فى كافة المحافل وعلى كل حال الحديث عن نوبل وجوائزها لا ينبغي أن يشغلنا عن قضايانا المصيرية وما أكثرها .
*الإبداع بين جدلية التطور و الركود يتأثر بما حوله و يؤثر فيه، و الحركة الأدبية في العالم الإسلامي تتطور، لكن القارئ شبه منعدم رغم وفرة الإنتاج ، ما سبب هذا العزوف في رأي سليم عثمان ؟
للأسف أختي عزيزة أن أمة إقرأ لا تقرأ وقد قيل فى شأن القراءة:
(الإنسان القارئ تصعب هزيمته).
(إن قراءتي الحرة علمتني أكثر من تعليمي فـي المدرسة بألف مرة). 
(من أسباب نجاحي وعبقريتي أنني تعلمت كيف انتزع الكتاب من قلبه). 
و سئل أحد العلماء العباقرة: لماذا تقرأ كثيراً؟ فقال: (لأن حياة واحدة لا تكفيني)
*القراءة تنمي ثقتي بنفسي.
*القراءة تجعلني أكثر كفاءة في إنجاز أعمالي.
* القراءة تجعل قراراتي أكثرفاعلية.
* القراءة تزيد من فرص ترقيتي في مجال عملي.
* القراءة تجعلنيأكثر ثباتاً في مواجهة الأزمات والضغوط.
* القراءة تزيد من فهمي وإدراكيللأمور. 
* القراءة تجعلني عضواً بارزاً وفعالاً في فريق عملي
* القراءةتجعلني لبقاً في محادثة الآخرين.
* القراءة تجعلني أكثر دقة وذكاءًوبديهة.
* القراءة تزيد من قدرتي على تحمل المسؤولية
* القراءة وسيلة لتحصيل العلم الشرعي
وقديما كانوا يقولون القاهرة تؤلف الكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ لكن لسوء الحظ ابتعد أهل السودان فى زماننا الحالي عن القراءة كثيرا، بل إن معارض الكتب على قلتها لا يزورها الا القلة،بل تشعر بندرة المكتبات العامة والخاصة،ومع أننا أمة اقرأ ولكن للأسف لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نقرأ المفيد من الكتب إلا من رحم الله من هذه الأمة، والأغرب من ذلك تقرير إحدى الجامعات في عالمنا العربي الذي أكد أن 72% من خريجي الجامعات يتخرجون دون أن يقوموا باستعارة كتاب واحد من مكتبة الجامعة!واذا سألت أحد الشباب عن قراءته للكتب يقول لك إنه يطالعها فى النت ،وليتهم فعلا يقرأون فى النت إن هجروا الكتاب الورقي .(ولقد أُجريت دراسة بهدف التعرف على معدل قراءات الشعوب في العالم، حيث كانت النتيجة: أن معدل قراءة الرجل العادي - الذي يعمل في المحلات والأعمال الحرفية - في اليابان أربعون كتاباً في السنة، ومعدل قراءة الفرد في المجتمع الأوروبي عشرة كتب في السنة، في الوقت الذي كان معدل قراءة الفرد في الوطن العربي عُشر كتاب، بمعنى أنه يقرأ في العام عشرين صفحة من كتاب تبلغ عدد صفحاته مائتي صفحة.)
وإحصائية أخرى أشارت إلى أن معدل قراءة الفرد العربي على مستوى العالم هو ربع صفحة !! أي أن متوسط القراءة لدى الفرد العربي في السنة- مقارنة بالقارئ العالمي - لا تتجاوز نصف ساعة
* إنّ الأدب كائن حي ينمو ويتطوّر، يتأثّر بما حوله ويؤثّر فيه، والمتتبّع لحركتنا الأدبيّة المحليّة يستطيع أن يلمح تطوّر الأدب نثرا وشعرا، كما أنّه يلاحظ أنّ ثمّة فيضا أدبيّا تفرزه أقلام محليّة عديدة، فلا يملك القارئ والمتتبّع إلاّ أن يقف مشدوها أمام هذه الوفرة من الإنتاج؟
صحيح الأدب كائن حي ينمو ويتطور،لكن لو أخذنا العالم العربي مشرقا ومغربا قبل عصر التكنولوجيا الحالية ما كان التواصل بينهما كبيرا وحتى اليوم لا يتم تبادل الكتب الورقية بين شطري العالم العربي كما ينبغي ربما بسبب كلفة النقل وربما لقيود أخرى نجهلها ..لكن التكنولوجيا يسّرت لنا الاطلاع على إنتاج كتاب المغرب كما يسّرت للمغاربة جميعا الاطلاع على نثر وشعر وكتابات اخوانهم فى المشرق ولا أدري لم تذكرتُ مقولة الكاتب الايرلندي الساخر برناردشو: غزارة فى الانتاج وسوء فى التوزيع وهو يشير ربما الى لحيته.ربما تجدين غزارة فى الانتاج هنا وقلة فى توزيعه هناك والعكس صحيح لكن هذا لا ينبغي أن يمنع الاستفادة من إرثنا الأدبي الكبير بل ومن تراثنا القديم لأن من نسي قديمه تاه. كم يتمنى المرء ان تترجم آداب العرب وفنونهم الى اللغات العالمية المختلفة .هل يقرأ لنا مثلا أكثر من مليار شخص فى الصين مثلا، رغم العلاقات الاقتصادية والسياسية بين بلداننا والصين؟ لا أظن ان انتاجنا الثقافي والفكري والأدبي وصل إلى تلك الدولة/القارة وليس العيب فيهم بل فينا هل نسطيع قراءة الادب الصيني او الروسي او اللاتيني بشكل جيد ؟ لا اعتقد وبالتالي نحن بحاجة لأن نتفاعل نؤثر بأكثر مما نتأثر لأننا أمة لها رسالة عظيمة لا ينبغي أبدا أن نكون فقط مستقبلين لانتاج الاخر بل علينا أن نعرض له وعليه بضاعتنا المزجاة بالسمو الرفعة والعزة والسؤدد والجمال والفضيلة .
ختاما لك شكري الجزيل زميلتي عزيزة رحموني على هذا التواصل الذي مكنني من التوقف لبرهة لاهثا فى بعض محطات حياتي المتواضعة أتمنى لك كل العافية والسعادة ..
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-
اجرتِ اللقاء: :
عزيزة رحموني من المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كل شيء ما خلا الله باطل .ون